للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلم يكن إِلَّا لَحْظَة، وَإِذا بفيل عَظِيم قد أقبل وَهُوَ ينعر، والصحراء تتدكدك بنعيره وَشدَّة سَعْيه، وَهُوَ يطلبنا.

فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض: قد حضر الْأَجَل، فتشهدوا، فأخذنا فِي الاسْتِغْفَار وَالتَّسْبِيح، وَطرح الْقَوْم نُفُوسهم على وُجُوههم.

فَجعل الْفِيل يقْصد وَاحِدًا وَاحِدًا مِنْهُم، فيتشممه من أول جسده إِلَى آخِره، فَإِذا لم يبْق مِنْهُ موضعا إِلَّا شمه، شال إِحْدَى قوائمه فوضعها عَلَيْهِ ففسخه.

فَإِذا علم أَنه قد تلف، قصد إِلَى آخر فَفعل بِهِ مثل فعله بِالْأولِ.

إِلَى أَن لم يبْق غَيْرِي، وَأَنا جَالس منتصب أشاهد مَا جرى وَأَسْتَغْفِر الله عز وَجل وأسبح.

فقصدني الْفِيل، فحين قرب مني، رميت بنفسي على ظَهْري فَفعل بِي من الشم كَمَا فعل بِأَصْحَابِي، ثمَّ عَاد فشمني دفعتين أَو ثَلَاثًا، وَلم يكن فعل ذَلِك بِأحد مِنْهُم غَيْرِي، وروحي فِي خلال ذَلِك تكَاد تخرج فَزعًا.

ثمَّ لف خرطومه عَليّ، وشالني فِي الْهَوَاء، فظننته يُرِيد قَتْلِي، فجهرت بالاستغفار.

ثمَّ لفني بخرطومه فجعلني فَوق ظَهره، فانتصبت جَالِسا، وَاجْتَهَدت فِي حفظ نَفسِي بموضعي.

وَانْطَلق الْفِيل، يُهَرْوِل تَارَة، وَيسْعَى تَارَة، وَأَنا تَارَة أَحْمد الله تَعَالَى على تَأْخِير الْأَجَل وأطمع فِي الْحَيَاة، وَتارَة أتوقع أَن يثور بِي فَيَقْتُلنِي، فأعاود الاسْتِغْفَار، وَأَنا أقاسي فِي خلال ذَلِك من الْأَلَم والجزع لشدَّة سرعَة سعي الْفِيل أمرا عَظِيما.

فَلم أزل على ذَلِك، إِلَى أَن طلع الْفجْر وانتشر ضوءه، فَإِذا بِهِ قد لف خرطومه عَليّ.

فَقلت: قد دنا الْأَجَل وَحضر الْمَوْت، وَأَكْثَرت من الاسْتِغْفَار.

فَإِذا بِهِ قد أنزلني عَن ظَهره بِرِفْق، وَتَرَكَنِي على الأَرْض، وَرجع إِلَى الطَّرِيق

<<  <  ج: ص:  >  >>