للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبوهُ عَن السِّرّ فِي حَاله، فصدقته، وآيسته من حَيَاة ابْنه.

وَقلت لَهُ: مكنه من شهواته، فَإِنَّهُ لَا يعِيش.

ثمَّ خرجت إِلَى خُرَاسَان، فأقمت بهَا سنة كَامِلَة، وعدت، فاستقبلني الرجل أَبُو الصَّبِي فَلم أَشك فِي وَفَاته، وَتركت مساءلته عَن ابْنه، فَإِنِّي كنت نعيته إِلَيْهِ، وخشيت من تثقيلي عَلَيْهِ، فأنزلني دَاره، وَلم أجد عِنْده مَا يدل على ذَلِك، وكرهت مسائلته عَن ابْنه لِئَلَّا أجدد عَلَيْهِ حزنا.

فَقَالَ لي بعد أَيَّام: تعرف هَذَا الْفَتى؟ وَأَوْمَأَ إِلَى شَاب حسن الْوَجْه والسحنة، صَحِيح الْبدن، كثير الدَّم وَالْقُوَّة، قَائِم مَعَ الغلمان يخدمنا.

فَقلت: لَا.

فَقَالَ: هَذَا ابْني الَّذِي آيستني مِنْهُ عِنْد مضيك إِلَى خُرَاسَان.

فتحيرت، وَقلت لَهُ: عرفني سَبَب برئه.

فَقَالَ: إِنَّه كَانَ بعد قيامك من عِنْدِي، فطن أَنَّك آيستني مِنْهُ.

فَقَالَ لي: لست أَشك أَن هَذَا الرجل، وَهُوَ أوحد زَمَانه فِي الطِّبّ، قد آيسك مني، وَالَّذِي أَسأَلك، أَن تمنع هَؤُلَاءِ، يَعْنِي: غلماني الَّذين كنت قد أخدمته إيَّاهُم، فَإِنَّهُم أترابي، وَإِذا رَأَيْتهمْ معافين، وَقد علمت أَنِّي ميت، تجدّد على قلبِي الْهم وَالْمَرَض، حَتَّى يعجل لي الْمَوْت، فأرحني من هَذَا بِأَن لَا أَرَاهُم، وأفرد لخدمتي دايتي.

فَفعلت مَا سَأَلَ، وَكَانَ يحمل إِلَى الداية فِي كل يَوْم مَا تَأْكُله، وَكَانَت الداية تَأتيه بِمَا يطْلب من غير حمية.

فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام يسيرَة، حمل إِلَى الداية مضيرةً لتأكل مِنْهَا، فتركتها بِحَيْثُ يَقع عَلَيْهَا نظر ابْني، وَمَضَت فِي شغل لَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>