للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: أحب أَن تصدقني.

فَقلت: وَأَنا آمن؟ فَقَالَ: أَنْت آمن.

فَقلت: لِأَنَّك لَا تملكه، وَهُوَ من أَمْوَال النَّاس الَّذين أَخَذتهَا مِنْهُم السَّاعَة ظلما، فَكيف يحل لي أَن آخذه؟ فَقَالَ لي: أما قَرَأت مَا ذكره الجاحظ فِي كتاب اللُّصُوص، عَن بَعضهم، قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ التُّجَّار خانوا أماناتهم، وَمنعُوا زَكَاة أَمْوَالهم، فَصَارَت أَمْوَالهم مستهلكة بهَا، واللصوص فُقَرَاء إِلَيْهَا، فَإِذا أخذُوا أَمْوَالهم، وَإِن كَرهُوا أَخذهَا، كَانَ ذَلِك مُبَاحا لَهُم، لِأَن عين المَال مستهلكة بِالزَّكَاةِ، وَهَؤُلَاء يسْتَحقُّونَ أَخذ الزَّكَاة، بالفقر، شَاءَ أَرْبَاب الْأَمْوَال أم كَرهُوا.

قلت: بلَى، قد ذكر الجاحظ هَذَا، وَلَكِن من أَيْن يعلم إِن هَؤُلَاءِ مِمَّن استهلكت أَمْوَالهم الزَّكَاة؟ فَقَالَ: لَا عَلَيْك، أَنا أحضر هَؤُلَاءِ التُّجَّار السَّاعَة، وأريك بِالدَّلِيلِ الصَّحِيح أَن أَمْوَالهم لنا حَلَال.

ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: هاتوا التُّجَّار، فَجَاءُوا.

فَقَالَ لأَحَدهم: مُنْذُ كم أَنْت تتجر فِي هَذَا المَال الَّذِي قَطعنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سنة.

قَالَ: فَكيف كنت تخرج زَكَاته؟ فتلجلج، وَتكلم بِكَلَام من لَا يعرف الزَّكَاة على حَقِيقَتهَا فضلا عَن أَن يُخرجهَا.

ثمَّ دَعَا آخر، فَقَالَ لَهُ: إِذا كَانَ مَعَك ثلث مائَة دِرْهَم، وَعشرَة دَنَانِير، وحالت عَلَيْك السّنة، فكم تخرج مِنْهَا لِلزَّكَاةِ؟ فَمَا أحسن أَن يُجيب.

ثمَّ قَالَ لآخر: إِذا كَانَ مَعَك مَتَاع للتِّجَارَة، وَلَك دين على نفسين، أَحدهمَا مَلِيء، وَالْآخر مُعسر، ومعك دَرَاهِم، وَقد حَال الْحول على الْجَمِيع، كَيفَ تخرج زَكَاة ذَلِك؟

<<  <  ج: ص:  >  >>