للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصَّة الْأَخَوَيْنِ عَاد وَشَدَّاد

وَحكى عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن العبقسي الشَّاعِر، قَالَ: حَدثنِي شَاعِر كَانَ يعرف بِغُلَام أبي الْغَوْث، قَالَ: كنت من أهل قَرْيَة من نواحي الشَّام، أسكنها أَنا وأسلافي، فَكُنَّا نطحن أقواتنا فِي رحى مَاء على فراسخ من الْبَلَد، يخرج إِلَيْهَا أهل الْبَلَد وَأهل الْقرى الْمُجَاورَة بغلاتهم، فتكثر، فَلَا يتَمَكَّن من الطَّحْن إِلَّا الْأَقْوَى فالأقوى.

فمضيت مرّة وَمَعِي غلَّة، وحملت معي خبْزًا وَلَحْمًا مطبوخًا يَكْفِينِي لأيام، وَكَانَ الزَّمَان شاتيًا، لأقيم على الرَّحَى، حَتَّى يخف النَّاس فأطحن فِيهَا، على عادتي تِلْكَ.

فَلَمَّا صرت عِنْد الرَّحَى، حططت أعدالي، وَجَلَست فِي مَوضِع نزه، وفرشت سفرتي لآكل.

واجتاز بِي رجل عَظِيم الْخلقَة، فدعوته ليَأْكُل، فَجَلَسَ فَأكل كلما كَانَ فِي سفرتي، حَتَّى لم يدع فِيهَا شَيْئا، وَلَا أُوقِيَّة وَاحِدَة.

فعجبت من ذَلِك عجبا شَدِيدا بَان لَهُ فِي، فَأمْسك، وغسلنا أَيْدِينَا.

فَقَالَ لي: على أَي شَيْء مقامك هُنَا؟ فَقلت: لأطحن هَذِه الْغلَّة.

فَقَالَ لي: فَلم لَا تطحنها الْيَوْم، فَأَخْبَرته بِسَبَب تعذر ذَلِك عَليّ.

قَالَ: فثار كَالْجمَلِ، حَتَّى شقّ النَّاس وهم مزدحمون على الرَّحَى، وَهِي

<<  <  ج: ص:  >  >>