للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزلَال لرجل هاشمي من أهل الْبَصْرَة، وَلَا يمكنا من حملك مَعَه على هَذِه الصُّورَة، وَلَكِن تلبس ثِيَاب الملاحين، وتجلس مَعنا كَأَنَّك وَاحِد منا.

فحين رَأَيْت الزلَال، وَسمعت أَنه لرجل هاشمي، من أهل الْبَصْرَة، طمعت أَن يكون مُشْتَرِي جاريتي، فأتفرج بسماعها إِلَى وَاسِط.

فَدفعت الدرهمين إِلَى الملاح، وعدت فاشتريت لي جُبَّة من جباب الملاحين فلبستها، وبعت تِلْكَ الثِّيَاب الَّتِي كَانَت عَليّ، وأضفتها إِلَى مَا معي من النَّفَقَة، واشتريت خبْزًا وإدامًا، وَجَلَست فِي الزلَال.

فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى رَأَيْت جاريتي بِعَينهَا، وَمَعَهَا جاريتان تخدمانها، فحين رَأَيْتهَا سهل عَليّ مَا كَانَ بِي، وَمَا أَنا عَلَيْهِ.

وَقلت: أسمع غناءها، وأراها، من هَاهُنَا إِلَى الْبَصْرَة، واعتمدت على أَن أجعَل قصدي إِلَى الْبَصْرَة، وطمعت فِي أَن أداخل مَوْلَاهَا، فأصير أحد ندمائه.

وَقلت: وَلَا تخليني هِيَ من الْموَاد، فَإِنِّي واثق بهَا.

وَلم يكن بأسرع من أَن جَاءَ الْفَتى الَّذِي اشْتَرَاهَا رَاكِبًا، وَمَعَهُ عدَّة ركبان، فنزلوا فِي الزلَال وانحدروا.

فَلَمَّا صَارُوا بكلواذى، أخرج الطَّعَام، فَأكل هُوَ وَالْجَارِيَة، وَأكل الْبَاقُونَ على سطح الزلَال، وأطعموا الملاحين.

ثمَّ أقبل على الْجَارِيَة، فَقَالَ لَهَا: إِلَى كم هَذِه المدافعة عَن الْغناء، وَهَذَا الْحزن والبكاء، مَا أَنْت أول من فَارق مَوْلَاهُ، فَعلمت مَا عِنْدهَا من أَمْرِي.

ثمَّ ضربت ستارة فِي جَانب الزلَال، واستدعى الَّذين فِي سطحه، وَجلسَ مَعَهم خَارج الستارة، فَسَأَلت عَنْهُم، فَإِذا هم إخْوَته، وأخرجوا الصواني، ففرقوها عَلَيْهِم، وأحضروا النَّبِيذ.

وَمَا زَالُوا يترفقون بالجارية، إِلَى أَن استدعت الْعود، فأصلحته، وجست

<<  <  ج: ص:  >  >>