للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسجى على فرَاشه، فمسست قلبه، ومجسه، ومناخره، فَإِذا هُوَ ميت بِلَا شكّ.

فَقلت: مَا كَانَ خَبره؟ فَقَالَت لي الخيزران: كنت بِحَيْثُ أسمع خطابه لَك فِي أَمر ابْني هَارُون، وَأمر الطالبيين، وَأهل الْكُوفَة، فَلَمَّا دخل عَليّ؛ استعطفته، وَسَأَلته أَن لَا يفعل شَيْئا من ذَلِك، فصاح عَليّ، فَلم أزل أرْفق بِهِ، إِلَى أَن كشف لَهُ ثديي، وشعري، وبكيت، وتمرغت بَين يَدَيْهِ، وَنَاشَدْته الله أَن لَا يفعل، فَانْتَهرنِي، وَقَالَ: وَالله، لَئِن لم تمسكي؛ لَأَضرِبَن عُنُقك السَّاعَة، فخفته، وَقمت، فصففت قدمي فِي الْمِحْرَاب، أُصَلِّي، وأبكي، وأدعو عَلَيْهِ.

فَلَمَّا كَانَ مُنْذُ سَاعَة، طرح نَفسه على فرشه لينام، فشرق، فتداركناه بكوز مَاء، فازداد شرقه، إِلَى أَن تلف، فَامْضِ إِلَى يحيى بن خَالِد، وعرّفه مَا جرى، وامضيا إِلَى هَارُون، وجيئا بِهِ قبل انتشار الْخَبَر، وجددا لَهُ الْبيعَة على النَّاس.

فَخرجت وَجئْت بالرشيد، فَمَا أَصْبَحْنَا إِلَّا وَقد فَرغْنَا من بيعَته، واستقام أمره، وتوطأت الْخلَافَة لَهُ، وكفاني الله، تَعَالَى، وَالنَّاس، مَا كَانَ أظلنا من مَكْرُوه مُوسَى، وَكَانَ ذَلِك سَبَب اختصاصي الْعَظِيم بالرشيد، وتضاعف نعمتي ومحلي عِنْده.

<<  <  ج: ص:  >  >>