للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاد الرجل إِلَى الحضرة، فحدثنا بِعظم أَمر ابْن طغج، واتساع ملكه.

وَقَالَ: رَأَيْته غير الرجل الَّذِي كُنَّا نعرفه، مكانة، ورجاحة، وَحين رَآنِي قربني وأكرمني، وَمَا زَالَ مُسْتَبْشِرًا بِي، يحادثني وأحادثه، ويسألني عَن وَاحِد وَاحِد، من بني شيرزاد، وَغَيرهم من الْجِيرَان، وَأَنا أخبرهُ.

حَتَّى قَالَ فِي بعض قَوْله: الْحَمد لله الَّذِي بِيَدِهِ الْأُمُور، مَا شَاءَ فعل، يَا فلَان، أَلَسْت ذَاكِرًا مَا كنت فِيهِ بِبَغْدَاد، من تِلْكَ الْأَحْوَال الخسيسة، وَمَا كنت أُلَاقِي من الشدَّة، والفقر، والفاقة، وَالْغَرَض بالعيش، والهم بأولئك الْبَنَات؟ قلت: نعم، يَا سَيِّدي.

قَالَ: وَالله لقد كنت أَتَمَنَّى وأسأل الله أَن يَرْزُقنِي ابْنا، فَكلما اجتهدت فِي ذَلِك جَاءَتْنِي ابْنة، حَتَّى تكاملن فِي بَيْتِي عشرا.

وَكنت أَتَمَنَّى مُنْذُ سنّ الحداثة أَن أرزق دَابَّة أبلق، واستشعر أَنِّي إِذا ركبت ذَلِك؛ فقد حصلت لي كل فَائِدَة ونعمة؛ لشدَّة شهوتي لَهَا، فَمَا سهل الله لي مَا طلبته من هَذَا الْبَاب أَيْضا شَيْئا.

وتكهلت، وعلت سني، وَأَنا على تِلْكَ الْأَحْوَال.

وَضرب الدَّهْر ضربه، وَخرجت من بَغْدَاد، فابتدأ الإقبال يَأْتِي، والإدبار ينْصَرف.

وَكَانَ الله، تَعَالَى، يَرْزُقنِي فِي كل سنة ابْنا، وَيقبض عني ابْنة، حَتَّى مَاتَ الْبَنَات كُلهنَّ، وَنَشَأ لي هَؤُلَاءِ البنون، وَأَوْمَأَ إِلَى أَحْدَاث بَين يَدَيْهِ كَأَنَّهُمْ الطواويس حسنا وجمالا.

<<  <  ج: ص:  >  >>