للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَاد الْجَواب بوصول المَال، وأنفذوا النّصْف من الرقعة، وَمَا طلبت من القماش، وشخصت من دَار طَاهِر، سَحَرَ تِلْكَ اللَّيْلَة.

فَمَا مَرَرْت بِمَدِينَة إِلَّا خدمت فِيهَا أتم خدمَة، إِلَى أَن وافيت الرّيّ، فلقيني رجل ذكر لي أَن ذَا الرياستين أنفذه لتلقي، وَالْقِيَام بمصالحي إِلَى أَن أوافي حَضرته، فَلم يزل قَائِما بِمَا أحتاج إِلَيْهِ، ويحض كل من أجتاز بِهِ على تفقدي وخدمتي إِلَى أَن وافيت بَاب الْفضل بمرو، وَمَعِي صَاحبه، وَصَاحب طَاهِر.

فوقفت بِبَاب الْفضل طَويلا إِلَى أَن تفرغ وَدَعَانِي، فَدخلت، وَهُوَ فِي قبَّة أَدَم، وَعَلِيهِ سَواد، وَحَوله السِّلَاح كُله، وَبَين يَدَيْهِ جحفة فِيهَا كتب.

فَلَمَّا مثلت بَين يَدَيْهِ؛ قَالَ لي: أَنْت أَحْمد بن أبي خَالِد الْكَاتِب؟ فَقلت: نعم.

قَالَ: انْصَرف إِلَى مَنْزِلك، وارجع إِلَيْنَا بعد ثَلَاثَة أَيَّام فِي سَواد؛ لأدخلك على أَمِير الْمُؤمنِينَ.

فوليت من بَين يَدَيْهِ، وَأَنا لَا أَدْرِي إِلَى أَيْن أمضي، وَإِذا خَادِم قد لَحِقَنِي، وَأخذ بيَدي، وَخرج معي، حَتَّى سَار إِلَى دَار قد أعدت لي، وفيهَا كل مَا أحتاج إِلَيْهِ من فرش، وَآلَة، وَكِسْوَة، وغلمان، ودواب، وقماش، وَغير ذَلِك من الْأَطْعِمَة والأشربة، فَجعل يعرفنِي مَا تَحت يَد كل غُلَام، ثمَّ قَالَ: هَذَا كُله لَك، وَانْصَرف، فأقمت فِي كل نعْمَة وسرور، ثَلَاثَة أَيَّام.

ثمَّ غَدَوْت فِي الْيَوْم الرَّابِع فِي سَواد، فألفيت ذَا الرياستين خَارِجا من دَاره، فترجلت ودنوت، فَأَعْطَانِي طرف كمه فقبلته، ثمَّ أَمرنِي بالركوب، فركبت، وسرت فِي موكبه، حَتَّى وافى دَار الْمَأْمُون، فَثنى رجله، وَنزل فِي محفة معدة لَهُ، فَجَلَسَ فِيهَا، وَحمله القواد على أَعْنَاقهم، حَتَّى أجلسوه مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>