للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ حَالِي وَنَسَبِي؛ لِشَيْءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَعَرِّفُوهُ مَا تَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: فَعَرَّفُوهُ صِحَّةَ نَسَبِي، وَوَصَفُوا لَهُ طَرِيقَتِي وَعَدَمِي.

فَمَضَى، وَجَاءَ فَأَخْرَجَ الْهِمْيَانَ بِعَيْنِهِ، كَمَا سَلَّمْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا بِأَسْرِهِ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ.

فَقُلْتُ: يَا هَذَا، مَا كَفَاكَ مَا عَامَلْتَنِي بِهِ، حَتَّى تَهْزَأَ بِي، وَأَنَا فِي حَالِ الْمَوْتِ.

قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، هُوَ لَكَ، وَاللَّهِ.

فَقُلْتُ: فَلِمَ بَخِلْتَ عَلَيَّ بِدِينَارٍ مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبْتَ لِي الْجَمِيعَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ الْهِمْيَانُ لِي، وَمَا كَانَ يَجُوزُ لِي أَنْ أُعْطِيَكَ مِنْهُ شَيْئًا، قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، وَإِنَّمَا أَعْطَانِيهِ رَجُلٌ مِنْ بَلَدِي، وَسَأَلَنِي أَنْ أَطْلُبَ فِي الْعِرَاقِ، أَوْ فِي الْحِجَازِ، رَجُلًا عَلَوِيًّا، حُسَيْنِيًّا، فَقِيرًا، مَسْتُورًا، فَإِذَا عَلِمْتُ هَذَا فِي حَالِهِ؛ أَغْنَيْتَهُ، بِأَنْ أُسَلِّمَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِيَصِيرَ أَصْلا لِنِعْمَةٍ تَنْعَقِدُ لَهُ، فَلَمْ تَجْتَمِعْ لِي هَذِهِ الصِّفَاتُ قَبْلَكَ فِي أَحَدٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ فِيكَ، بِمَا شَاهَدْتُهُ مِنْ أَمَانَتِكَ وَفَقْرِكَ وَعِفَّتِكَ وَصَبْرِكَ، وَصَحَّ عِنْدِي نَسَبُكَ؛ أَعْطَيْتُكَهُ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ اسْتِكْمَالَ الأَجْرِ؛ فَخُذْ مِنْهُ دِينَارًا، وَابْتَعْ لِي بِهِ دَرَاهِمَ، وَاشْتَرِ بِهَا مَا آكُلُهُ، وَصِرْ بِهِ إِلَيَّ السَّاعَةَ هَهُنَا.

فَقَالَ: لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ.

قُلْتُ: قُلْ.

قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مُوسِرٌ، وَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ لَيْسَ لِي فِيهِ شَيْءٌ، كَمَا عَرَّفْتُكَ، وَأَنَا أَسْأَلُكَ أَنْ تَقُومَ مَعِي إِلَى رَحْلِي، فَتَكُونَ فِي ضِيَافَتِي إِلَى الْكُوفَةِ، وَتَتَوَفَّرُ عَلَيْكَ دَنَانِيرُكَ.

فَقُلْتُ: مَا فِيَّ حَرَكَةٌ، فَاحْتَلْ فِي حَمْلِي، كَيْفَ شِئْتَ.

فَغَابَ عَنِّي سَاعَةً، وَجَاءَ بِمَرْكُوبٍ، وَأَرْكَبَنِيهِ إِلَى رَحْلِهِ، وَأَطْعَمَنِي فِي الْحَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>