للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظام الملك سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وكان عمري نحو عشر سنين، وقد كتبوا عني في أول سنة ثنتين وتسعين، وأنا ابن سبع عشرة سنة، وكان أول سماعه من سنة ثمان وثمانين، فسمع ببلده أصبهان من جماعة، خرج لهم معجما، ثم ارتحل إلى بغداد فسمع من جماعة آخرين خرج لهم معجمًا أيضًا، وأقبل على الفقه والعربية حتى برع فيهما، وأتقن مذهب الشافعي على إلكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي القاسم يوسف بن علي الزنجاني، والأدب عن ابن زكريا التبريزي وغيره، وحج فسمع وحصل وقدم

دمشق سنة تسع وخمسين وخمس مائة، وسمع بها ثم ذهب إلى صور، وركب البحر فصار إلى الإسكندرية فاستوطنها، ودرس بها بمدرسة ابن السلار، فكانت أول مدرسة بالثغر، وكان أول مدرس به، وخرج إلى البلدان ما عدا بغداد وأصبهان وعمل معجمًا آخر، وكان إماما مقرئًا مجودًا محدثا حافظًا جهبذًا وفقيهًا مفتيًا ونحويًا ماهرًا ولغويًا محققا فيما ينقله حجة ثبتا، انتهى إليه علو الإسناد في البلاد، وقد روى عنه محمد بن طاهر المقدسي أحد مشايخه وسبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي، وهي وفاتيهما مائة وأربع وأربعون سنة، وروى عنه القاضي عياض بالإجازة ومات قبله، وحدث عنه من الحفاظ عبد

الغني المقدسي وعبد القادر الرهاوي وعلي بن الفضل، وخلق لا يحصون كثرة لطول مدة حياته وتحديثه فإنه مكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه.

قال شيخنا الحافظ الذهبي: ولا أعلم أحدًا مثله، وكان يحسن الشعر، ويحب من يمدحه، قال أبو سعد السمعاني في الذيل: هو ثقة ورع متقن مثبت حافظ فهم، له حظ من العربية كثير الحديث حسن الفهم والبصيرة فيه، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: سمع السلفي ممن لا يحصى، وحدث بدمشق، فسمع منه أصحابنا، ولم أظفر بالسماع منه، وسمعت بقراءته من شيوخ عدة، ثم خرج إلى مصر واستوطن بالإسكندرية، واستوطن بها امرأة ذات يسار وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، فصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية، وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي:

سمعت من يحكي عن الحافظ أبي ناصر أنه قال عن السلفي: كان ببغداد كأنه شعله نار في تحصيل الحديث، قال عبد القادر: وكان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب وكان لا تبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماء ولا يبصق ولا يتورك ولا يبدو له قدم، وقد جاوز المائة، بلغني أن سلطان مصر حضر عنده السماع، فجعل يتحدث مع أخيه، فزجرهما، وقال: إيش هذا؟ نحن نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان، قال: وبلغني أنه في مدة مقامه وهي أربع وستون سنة ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة بل كان عامة دهره ملازما مدرسته، ولا نكاد ندخل عليه إلا نراه

مطلعًا في شيء وكان حليما متحملًا محبًا للغرباء، وقد سمعت بعض الفضلاء بهمذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ، قال عبد القادر: وكان آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر، قد أزال من جواره منكرات كثيرة، ورأيته يومًا وقد جاءه قوم يقرءون بالألحان فمنعهم، وقال: هذه بدعة بل اقرءوا ترتيلا، وقال ابن نقطة: كان حافظًا ثقة جوالًا في الآفاق، سائلا عن أحوال الرجال سماعا الذهلي والمؤتمن الساجي وأبا علي البرداني وأبا الغنائم الزينبي قال: قال لي عبد العظيم المنذري: إن أبا الحسن المقدسي، قال: حفظت أسماء وكنى وجئت إلى السلفي،

<<  <   >  >>