للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٨٥- أحْمَى مِنْ مُجِيرِ الظُّعْنِ.

هو ربيعة بن مُكَدَّم الكناني.

ومن حديثه - فيما ذكر أبو عبيدة - أن نُبَيْشَةَ بن حبيب السلمي خرج غازيا، فلقي ظُعْناً من كنانة بالكديد فأراد أن يحتويها، فمانعه ربيعة بن مُكَدَّم في فَوَارس، وكان غلاما له ذُوَابة، فشدَّ عليه نُبَيْشَة فطعنه في عضده، فأتى ربيعة أمه وقال:

شُدِّي عَلَيَّ العصب أُمَّ سَيَّارْ ... فقد رزِئْتِ فارساً كالدينار

فقالت أمه:

إنا بَنِي ربيعَةَ بن مالك ... نُرْزَأ في خِيارنا كَذَلك

من بين مَقْتُولٍ وبينِ هَالِك ... ثم عصبته، فاستقاها ماء، فقالت: اذْهَبْ فقاتل القوم فإن الماء لا يفوتك، فرجع وكَرَّ على القوم فكَشَفهم ورجع إلى الظُّعَنِ وقال: إني لمَائِت، وسأحمْيِكن ميتاً كما حميتكن حيّاً، بأن أقف بفرسي على ⦗٢٢٢⦘ العَقَبة وأتكئ على رمحي، فإن فاضَتْ نفسي كان الرمحُ عمادي فالنجاء النجاءَ، فإني أرُدُّ بذلك وجوه القوم ساعةً من النهار، فقطَعْنَ العقبة، ووقف هو بإزاء القوم على فرسه متكئاً على رمحه، ونَزَفَه الدمُ ففاظ والقومُ بإزائه يُحْجِمُون عن الإقدام عليه، فلما طال وقوفُه في مكانه وَرَأَوْه لا يزول عنه رَمَوْا فرسَه فقمَصَ، وخر ربيعة لوجهه، فطلبوا الظُّعُنَ فلم يلحقوهن، ثم إن حَفْصَ ابن الأحنف الكناني مر بجيفة ربيعة فعرفها فأمال عليها أحجاراً من الحرة وقال يبكيه:

لا يَبْعَدَنَّ ربيعةُ بن مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الغَوَادِي قبرهُ بذَنُوبِ

نَفَرَت قَلُوصي من حِجارة حَرَّةٍ ... بُنِيَتْ على طَلْق اليدين وَهُوبِ

لا تَنْفِرِي يا ناقُ مِنْهُ فإنه ... شَرَّابُ خمر مِسْتَعٌر لِحُرُوبِ

لَوْلاَ السِّفَارُ وبُعْدُهُ من مَهْمَهٍ ... لتركْتُهَا تَحْبُو على العُرْقُوبِ

قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: ما نعلم قتيلا حَمَى ظعائن غيرَ ربيعة بن مُكَدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>