للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٤٣٢- أَوْفَى مَنَ السَّمَوْأَلِ

هو السَّمَوأل بن حيَّان بن عَادِياء اليَهُودي.

وكان من وفائه أن امرأ القَيْس لما أراد الخُرُوجَ إلى قيصر اسْتَوْدَعَ السموألَ دُرُوعاً وأحَيْحَةَ بن الجُلاَح أيضاً دورعا، فلما مات امرؤ القيس غَزَاه ملك من ملوك الشأم، فتحرز منه السموأل، فأخذ الملك ابناً له، وكان خارجاً من الحِصْنِ، فصاح الملك بالسموأل، فأشرف عليه، فَقَالَ: هذا ابنُك في يَدَيَّ، وقد علمت أن امرأ القيس ابن عمي ومن عشيرتي، وأنا أحقُّ بميراثه؛ فإن دفَعْتَ إلي الدروع وإلاَ ذَبَحْتُ ابنك، فَقَالَ: أجِّلْني، فأجله، فَجَمعَ أهلَ بيته ونساءه، فشاوَرَهم، فكُلٌّ أشار عليه أن يدفع الدروع ويستنقذ ابنه، فلما أصبح أشْرَفَ عليه وقَالَ: ليس إلى دَفْعِ الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبَحَ الملكُ ابنه وهو مُشْرِف ينظر إليه، ثم انصرف الملك بالخيبة، فوافى السموألُ بالدروع الموسمَ فدفعها إلى ورثة امرئ القيس، وقَالَ في ذلك:

وفَيْتُ بأدْرُعِ الكِنْدِيِّ إني ... إذا ما خَانَ أقْوَام وَفِيْتُ

وَقَالَوا: إنه كَنْزٌ رَغِيبٌ، ... وَلاَ وَالله أغْدِرُ مَا مَشَيْتُ

بَنَى لِي عَادِيَا حِصْناً حِصْينَاً ... وَبِئْراً كُلَّمَا شئْتُ اسْتَقَيْتُ

طمرا تَزْلقُ العِقَبَانُ عَنْهُ ... إذا مَا نَا بَنِي ظُلْمٌ أبيتُ

ويروى:

إذا مَا سَامَنِي ضيم أبَيْتُ ...

وقَالَ الأعْشَى في ذلك:

شريح لاَ تَتْركَنِّي بَعْدَ مَا عَلِقَتْ ... حِبَالُكَ اليَوْمَ بَعْدَ القِدِّ أظْفَارِي

كُنْ كالسَّمَوْألِ إذْ طَافَ الهُمَامُ بِهِ ... فِي جَحْفَلٍ كَسَوَادِ اللَّيْلِ جَرَّارِ

بالأَبلقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ ... حِصْنٌ حَصَينٌ وَجَارٌ غَيْرُ غَدَّارِ

إذْ سَامَهُ خُظَّتَى خَسْفٍ فَقَالَ لَهُ ... مَهْمَا تَقُلْهُ فَإنِّي سَامِعٌ حَارِ

(في الأصول "جارى" وحار: أي ياحارث)

فَقَالَ: غَدْرٌ وَثُكْلٌ أنْتَ بَيْنَهُمَا ... فَاخْتَرْ، ومَا فِيْهَا حَظ لِمُخْتَارِ ⦗٣٧٥⦘

فَشَكَّ غَيْرَ طَويلٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْبَحْ أسِيْرَكَ إنِّي مَانِعٌ جَارِي

هّذا لَهُ خَلَفٌ إن كُنْتَ قَاتِلَهُ ... وَإنْ قَتَلْتَ كَرٍيماً غَيْرَ خَوَّارِ

فَقَالَ تَقَدِمَةً إذْ قَامَ يَقْتُلُهُ ... أشْرِفْ سَمَوْأَلُ فَانظُرْ لِلْدَّمِ الجَارِي

أَأقْتُلُ ابْنَكَ صَبْراً أوْ تَجِىءَ بِهِ ... طَوْعَاً؟ فأنكرَ هذا أي إنْكارِ

فَشَكَّ أوْ دَاجَهُ وَالصَّدْرُ فِي مَضَضٍ ... عَلَيْهِ مُنْطَوياً كَاللَّذْعِ بِالنَّارِ

وَاخْتَارَ أدْرَاعهُ أنْ لاَ يُسَبَّ بِهَا ... ولَمْ يكُنْ عَهْدُهُ فِي غَيْرِ مختار

وَقَالَ: لا أشتري عَاراً بِمْكرُمَةٍ ... فاختارَ مَكْرَمُةَ الدُّنيا عَلَى العَارِ

والصَّبْرُ مِنْهُ قَدِيماً شِيمَةٌ خُلُقٌ ... وَزَنْدُهُ في الوَفَاءِ الثَّاقِبُ الوَاري

<<  <  ج: ص:  >  >>