للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-أحد جبل مشهور بالمدينة في شمالها بينه وبين المدينة ثلاثة أميال. كانت الغزوة في شوال سنة ثلاث من الهجرة (يناير ٦٢٥ م) وسببها أن قريشاً لما أصبابهم يوم بدر ما أصابهم مشى عبد الله بن ابي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية ومشى معهم رجال آخرون من أشراف قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وأخوانهم فكلموا أبا سفيان وكل من كان له تجارة في تلك العير التي كانت سبب وقعة بدر وسألوهم أن يعينوهم على حرب رسول الله ليدركوا ثأرهم منهم ففعلوا وتجهزت قريش ومن والاهم من قبائل كنانة وتهامة ودعا جبير بن مطعم غلامه وحشى بن حرب وكان حبشياً يقذف بالحربة قلما تخطئ فقال له أخرج مع الناس فإن قتلت عمَّ محمد (حمزة) بعمى طعيمة بن عدى فأنت حر، لأن حمزة هو القاتل لطعيمة بن عدي يوم بدر وكان أبو سفيان بن حرب قائدهم وكانت عدتهم ٣٠٠٠ فيهم ٧٠٠ دارع ومعهم ٢٠٠ فرس وكان جملة النساء ١٧ امرأة معهن الدفوف يبكين على قتلى بدر (إذ البكاء دأب النساء) يحرضن بذلك المشركين وممن خرج من النساء هند بنت عتبة بن أبي ربيعة. وكتب العباس للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بجمهم وخروجهم.

وراودوه على الخروج معهم فأبى واعتذر بما لحقه يوم بدر ولم يساعدهم بشيء من المال ومن هذا نستدل على أن التجنيد والتبرعات المالية للحرب لم تكن إجبارية.

جاء كتاب العباس للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بقباء على بعد ساعة من المدينة وكان العباس أرسل الكتاب مع رجل من بني غفار استأجره وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل ذلك. فلما جاء الكتاب فك ختمه ورفعه لأبي بن كعب فقرأه عليه وهذا مما يؤيد أن النبي كان أمياً بمعنى أنه لا يعرف القراءة والكتابة والا لكان قرأ الكتاب بنفسه وكتم سره بدلا من أن يطلب من أبي بن كعب تلاوته ثم يستكتمه.

سارت قريش ومعهم الأحابيش (١) الذي حالفوهم وخرج معهم أبو عامر الراهب في ٧٠ فارساً. وسماه رسول الله الفاسق بدلا عن الراهب وابنه حنظلة من فضلاء الصحابة وهو من المستشهدين بأحد.

وصلت قريش ببطن الوادي من قبل أحد مقابل المدينة. وتشاور المسلمون في الخروج من المدينة. وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول رأى النبي فإنه كان يرى عدم الخروج منها. لكن ألح عليه صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فخرج. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود مع عبد الله بن أبي يريدون الخروج. فقال وقد اسلموا؟ قالوا لا يا رسول الله. قال مروهم فليرجعوا فإنا لانستعين بالمشركين على المشركين والنتيجة ان انقسم أصحاب رسول الله فريقين. فكان مجموع الذين خرجوا للقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ٧٠٠ منهم ١٠٠ دارع ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين وذلك بعد أن انخذل عنه عبد الله بن أبي ثلث الناس (فالتجنيد لذلك لم يكن اجباريا) .

وكانت فكرة عدم الخروج من المدينة لمقاتلة قريش هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "امكثوا بالمدينة فإن دخل القوم المدينة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت وفي رواية فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وندعوهم حين نزلوا فإن أقاموا بشر مقام. وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها".

أما الذين رأوا الخروج فهم رجال من المسلمين لم يحضروا بدراً وأسفوا على ما فاتهم من مشهدها فقالوا يا رسول الله إنا كنا نتمنى هذا اليوم اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم فلما سمع ابن أبيَّ هذا الرأي قال يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا دخلها عليها الا أصبنا منهم فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا ومن الذي رأوا الخروج حمزة بن عبد المطلب وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك وطائفة من الأنصار أما النبي وإن كان رأى عدم الخروج الا أنه كان مترددا ولم يكن قد أوحى إليه لكنه مال أخيرا إلى موافقة من رأى الخروج من أصحابه فصلى بالناس الجمعة ثم وعظهم وحثهم على القتال والصبر وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ثم صلى بالناس العصر ودخل بيته ومعه صاحباه فعمماه والبساه وتقلد السيف وخرج وقد لبس لأمته (٢) .

اصطف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم. فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه. وكان سعد بن معاذ سيد الأوس وهو في الأنصار كالصديق في المهاجرين.

خرج رسول الله بعد أن لبس لأمته فندم الطالبون لخروجه على ما صنعوا وقالوا ما كان ينبغي لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت. فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه. واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وعقد لواء للأوس وجعله بيد أسيد بن حضير ولواء للخزرج وجعله بيد الحباب بن المنذر ولواء للمهاجرين وجعله بيد عليّ بن أبي طالب. وخرج امام رسول الله السعدان يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.

اصطف المسلمون بأصل أحد والجبل وراء ظهورهم واصطف المشركون بالسنجة وكان على ميمنة خيل المشركين خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى المشاة صفوان بن أمية واستقبل الزبير بن العوام خالد بن الوليد وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير بن النعمان الأوسي البدري المستشهد يوم أحد. وكان الرماة خمسين رجلا فأقامهم النبي صلى الله عليه وسلم على جبل وقال لهم احموا ظهورنا حتى لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا دجانة الأنصاري سيفاً يحارب به ففلق بالسيف هام المشركين وكان إذا كلّ شحذه بالحجارة. وقتل علي رضي الله عنه صاحب لواء المشركين وهو طلحة بن أبي طلحة ثم حمل اللواء بعده أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل عليه حمزة رضي الله عنه فقطع يديه وكتفه فأخذه أبو سعيد ابن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص رميا فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح ثم حمله أخو مسافع وهو الحارث بن طلحة فرماه عاصم أيضا فقتله فحمل اللواء كلاب بن طلحة فقتله الزبير رضي الله عنه فحمله جلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه ثم حمل أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف قزمان ولد لشرحبيل فقتله قزمان أيضا ثم حمله صواب غلامهم وكان عبدا حبشياً فقتله علي رضي الله عنه ثم لم يزل اللواء طريحا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فاستداروا حوله وقد كان علم المشركين شؤما عليهم فكلما حمله أحد قتل وهكذا إلى أن قتل عشر رجلا حملوا هذا العلم بالتوالي وقد كان اهتمام المسلمين موجها إلى حامل العلم بنوع خاص بأنه كبش الكتيبة، ونكب بحمل العلم كل من مسافع والحارث وكلاب وجلاس الأربع أولاد طلحة بن أبي طلحة فكلهم قتلوا كأبيهم وعميهم عثمان وأبي سعيد. ثم جاش المسلمون فيهم ضربا حتى اجهضوهم وأزالوهم أمكنتهم ثم أنزل الله نصره على المسلمين فصاروا يقتلون الكفار قتلا فانهزموا وولوا هاربين وتبعهم المسلمون ووقعوا ينتهبون المعسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم واشتغلوا عن الحرب.


(١) سموا أحابيش باسم جبل بأسفل مكة يقال له حبيش.
(٢) هي بالهمز وعدمه: الدرع وقيل السلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>