للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين. والصَلاة والسَلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين. وعلى آله وصحبه وكل من اقتفى سنته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

وبعد، قال اللَّه تعالى وهو أصدق القائلين: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (١) وقال سبحانه: {إنما يغشى اللَّه من عباده العلماء} (٢) وقال النبي صَلى اللَّه عَليه وسَلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) أي وكل مسلمة.

وحسب بالعلم مناراً للسارين [للسائرين؟؟] في ظلم الحياة، يهديهم سواء السبيل، وينبوعاً للحياة، وإذا كانت الحياة روضة فإن زهورها العلم، وإذا انتشر نور العلم في أمة انجلت عنها ظلمة التخلف والاستبداد.

وعلوم الدين من أهم ما يطلب من علم، لأنها مفتاح لخيري الدنيا والآخرة. ولقد حث اللَّه تعالى الأمة بمجموعها، ليتفرغ عدد منهم للتفقه في الدين فقال ⦗٨⦘ سبحانه: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (٣) . ولذلك كان فرض عين على المسلم طلبُ وتعلم ما يحتاج إليه في حياته وعبادته ومعاملته، وفرضُ كفاية على الأمة وجودُ علماء وفقهاء يرشدون الناس ويعلموهم أحكام دينهم ويبلغونهم ما ورثوه عن المصطفى صَلى اللَّه عَليه وسَلم (العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) .

ونهض الصحابة الكرام ومن بعدهم ملبين ذلك النداء الرباني، ومستجيبين لأمر الرسول صَلى اللَّه عَليه وسَلم في حجة الوداع: (ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب) . فانصرفوا إلى علوم الدين التي تفرعت في ما بعد إلى علوم التفسير والحديث والفقه وغيرها. ونهضوا بأعباء حملها إلى الناس وتعليمها لهم.

ونبغ في مدينة الرسول عليه الصَلاة والسَلام إمام جليل هو الإمام مالك بن أنس، والذي كان أعظم من أنجبته المدينة المنورة من الأئمة الفقهاء بعد جيل الصحابة والتابعين: علماً وعملاً، تقوىً وورعاً، عبادة وخلقاً. وكان ذلك الرجل الذي تحقق فيه قول الرسول صَلى اللَّه عَليه وسَلم فيما أخرجهُ الإمام مالك في موطئه والإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم: (يوشك أن تضرب الناس آباط المطي وأكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة) .

وضرب الناس أكباد الإبل إليه، وكان بإخلاصه إماماً ربانياً وعلماً من أعلام الإسلام شهد له بذلك شيوخه وأقرانه وتلاميذه. وتلقف تلاميذه العلم عنه وأخذوا ينشرونه في الأرض، وألفوا في فتاويه وأقواله المدونات، ولم تمض فترة وفيرة على وفاته إلا وأصبح المذهب المالكي، مذهباً من مذاهب جمهور أهل السنة يتبعونه ويتعبدون عليه، والمذاهب كلها إنما تستقي من عين الشريعة المطهرة. ⦗٩⦘

وقد قامت منذ فترة في هذا البلد دمشق نهضة أقبل الناس فيها على تعلم الفقه المالكي، فكان لي في الأسبوع عدة حلقات كلهم يتلقون عليّ الفقه المالكي، وكانت مؤلفة هذا الكتاب من بين أولئك اللواتي أخذن عني الفقه المالكي وأصول الفقه معاً. ونهضت - جزاها اللَّه الخير وأثابها - بجمع هذا الكتاب. فجاء بحمد اللَّه وتوفيقه كتاباً مبسطاً في العبادات سهل العبارة قريب المأخذ، رتبت أحكامه وصيغت بأسلوب حسن ليكون في متناول جميع الناس عالمها ومتعلمها.

أرجو من اللَّه تعالى أن يعم النفع به إنه سميع مجيب.

إبراهيم اليعقوبي الحسني

-٢/ شعبان/١٤٠٥ هـ⦗١٠⦘


(١) الزمر: ٩.
(٢) فاطر: ٢٨.
(٣) التوبة: ١٢٢.

<<  <   >  >>