للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {قَالَ أَتعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: ٩٥] قَالَ: الْأَصْنَامُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا ⦗١٤٣⦘ تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] قَالَ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ مَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ قُلْنَا: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١] فَامْتَدَحَ بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، فَكَمَا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: ١٤] فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَسِرَّهُمْ وَجَهْرَهُمْ خَلَقَهُ وَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ. وَقَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: ٤٣] كَمَا قَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: ٤٤] فَكَمَا كَانَ مُمِيتًا مُحْيِيًا بِأَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ كَانَ مُضْحِكًا مُبْكِيًا بِأَنْ خَلَقَ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ، وَقَدْ يَضْحَكُ الْكَافِرُ سُرُورًا بِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، وَقَدْ يَبْكِي حُزْنًا بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] وَقَالَ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٤] فَسَلَبَ عَنْهُمْ فِعْلَ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالزَّرْعِ مَعَ مُبَاشَرَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَأَثْبَتَ فِعْلَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي وُجُودِهَا بَعْدَ عَدَمِهَا هُوَ إِيجَادُهُ وَخَلْقُهُ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْ عِبَادِهِ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا خَالِقُنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ خَلْقٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَرَعَهَا بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ مِنْ عِبَادِهِ ⦗١٤٤⦘ كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ أَكْسَابُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى وُجُوهٍ تُخَالِفُ قَصْدَ مُكْتَسِبِهَا يَدُلُّ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ غَيْرِ مُكْتَسِبِهَا وَهُوَ اللَّهُ ربُّنَا خَلَقَنَا، وَخَلَقَ أَفْعَالَنَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ فِعْلُ الْقَادِرِ الْقَدِيمِ خَلْقٌ وَفِعْلُ الْقَادِرِ الْمُحْدَثِ كَسْبٌ فَتَعَالَى الْقَدِيمُ عَنِ الْكَسْبِ وَجَلَّ وَصَغُرَ الْمُحْدَثُ عَنِ الْخَلْقِ وَذَلَّ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَسْبَ الْعِبَادِ وَخَلْقَهُ كَسْبَهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هَاهُنَا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <   >  >>