للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنِ اعْتِقَادِ الرِّضَا بِهِ وَأَدَائِهِ الْأَمَانَةَ فِيمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فِيهِ , وَالْعَمَلِ بِخَبَرِ مَنْ زَكَّاهُ , وَمَتَى أَوْجَبْنَا مُطَالَبَتَهُ بِكَشْفِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ عَدْلًا عِنْدَهُ , كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنَّا فِي عِلْمِهِ بِأَفْعَالِ الْمُزَكَّى وَطَرَائِقِهِ , وَسُوءَ ظَنٍّ بِالْمُزَكِّي وَاتِّهَامًا لَهُ بِأَنَّهُ يَجْهَلُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا , وَمَتَى كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ عِنْدَنَا لَمْ يَجِبْ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى تَزْكِيَتِهِ , وَلَا أَنْ نَعْمَلَ عَلَى تَعْدِيلِهِ , فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْجُمْلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ وُجُوبِ اسْتِخْبَارِ الْمُزَكِّي عَنْ سَبَبِ تَعْدِيلِهِ , لَا لِاتِّهَامِنَا لَهُ بِالْجَهْلِ بِطَرَائِقِ الْمُزَكَّى وَأَفْعَالِهِ , وَلَكِنْ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا , فَيَجُوزُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِمَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عِنْدَ غَيْرِهِ. يُقَالُ: هَذَا بَاطِلٌ , وَحَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى السَّلَامَةِ وَاجِبٌ , وَأَنَّهُ مَا عَدَّلَهُ إِلَّا بِمَا بِهِ يَصِيرُ عَدْلًا عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَّةِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ لَا يُتَعَقَّبُ وَلَا يُرَدُّ , وَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ هَذَا وَاجِبًا لَوَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ زَيْدًا بَاعَ عَمْرًا سِلْعَةً بَيْعًا صَحِيحًا وَاجِبًا نَافِذًا يَقَعُ التَّمَلُّكُ بِهِ , وَأَنَّهُ قَدْ زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا , أَنْ يُسْأَلَا عَنْ حَالِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ , وَعَنْ كُلِّ عَقْدٍ يَشْهَدَانِ بِهِ , لِمَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْخِلَافِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَصِحَّتِهَا وَتَمَامِهَا , وَلَمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ كَشْفُهُ لِلْحُكَّامِ , وَجَبَ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا , فَإِنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ يَشُقُّ ذِكْرُ جَمِيعِهَا , وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُزَكِّي الْإِخْبَارُ بِهَا لَكَانَ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ لَيْسَ يَفْعَلُ كَذَا , وَلَا كَذَا , وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ , ثُمَّ يَقُولُ: وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا , وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَطُولُ وَيَشُقُّ تَفْصِيلُهُ , وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ التَّعْدِيلُ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ تَرْكُ الْكَشْفِ عَمَّا بِهِ يَصِيرُ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا , وَأَنْ تَقْبَلُوا الْجَرْحَ فِي الْجُمْلَةِ , يُقَالُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ , فَلَا يَشُقُّ ذِكْرُهُ , وَالْعَدَالَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ , حَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ , وَالْإِخْبَارُ بِهَا يُحْرِجُ , فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِجْمَالُ فِيهَا كَافِيًا , عَلَى أَنَّا نَقُولُ أَيْضًا: إِنْ كَانَ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْجَرْحِ عَدْلًا مَرْضِيًّا فِي اعْتِقَادِهِ وَأَفْعَالِهِ , عَارِفًا بِصِفَةِ الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ وَأَسْبَابِهِمَا , عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ , قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَنْ جَرَحَهُ مُجْمَلًا , وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ سَبَبِهِ , وَسَنَشْرَحُ الْأُمُورَ الَّتِي تُوجِبُ الْجَرْحَ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهَا , وَنُبَيِّنُهَا فِيمَا بَعْدُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

<<  <   >  >>