للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَهِدُوهَا فِي بَابِ سَلَمٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا بَلَغَكَ خَبَرُ رَبَاحٍ؟ شَهِدْنَا الْيَوْمَ مَعَهُ جَنَازَةً فِي بَابِ سَلَمٍ فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ، وَأُذِنَ لِلنَّاسِ فِي النُّهُوضِ، نَهَضَ رَبَاحٌ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَنْهَضُ إِذَا أُذِنَ لِلنَّاسِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ، وَمَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ بَابِ سَلَمٍ أَبْصَرَ قَوْمًا مِنْ أَعْوَانِ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ، وَقَدْ مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى حَطَبٍ أَقْبَلَ بِهِ حَطَّابٌ، وَالْحَطَّابُ يَقُولُ لَهُمْ: مَالِي وَلَكُمْ؟ وَيَتَظَلَّمُ مِنْهُمْ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَبَاحٌ فَغَيَّرَ عَلَيْهِمْ، فَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّاسُ بَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ الْبُهْلُولُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إِنَّمَا كَرِهَ أَبُو يَزِيدَ، أَنْ يَرَى الْمُنْكَرَ جَهَارًا، ثُمَّ نَهَض إِلَى رَبَاحٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا عَنْكَ سَعِيدٌ بِمَا أَرْسَلْتَهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبَاحٌ: مَا كَانَ اللَّهُ يَا أَبَا عَمْرٍو لِيَرَانِي أُقِيمُ بِبَلَدٍ يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا جَهَارًا، وَلا أَرَى مُغَيِّرًا.

قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَذَكَرَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَدَّادِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْبُهْلُولِ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْرُوفَ بِتَاجِرِ اللَّهِ، أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ عِنْدِي ابْنَةً تَنَافَسَ فِيهَا أَهْلُ الدُّنْيَا، وَأَبْنَاءُ أَهْلِ الآخِرَةِ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُزَوِّجَهَا رَجُلا يُعِينُهَا عَلَى الآخِرَةِ، وَتُعِينُهُ عَلَى الدُّنْيَا، قَالَ لَهُ الْبُهْلُولُ: مَا أَحَقَّكَ بِذَلِكَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ رَبَاحًا، فَقَالَ لَهُ الْبُهْلُولُ: هُوَ مَوْضِعٌ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَوَجَّهَ الْبُهْلُولُ إِلَى رَبَاحٍ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَبَاحٌ: أَظَنَنْتَ يَا بُهْلُولُ، أَنَّ الدُّنْيَا لَعِبَتْ بِي كَمَا لَعِبَتْ بِكَ وَبِنُظَرَائِكَ؟ وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنِّي لأَفِرُّ مِنَ الْغِنَاءِ، كَمَا تَفِرُّ أَنْتَ وَذَوُوكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا خِفْتُ مَعَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَإِنَّمَا مَاتَ ابْنَ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَرْبَعِينَ.

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ بْنُ الْحَدَّادِ: وَكَانَ رَبَاحٌ إِذَا سَمِعَ الْخَادِمَ مِنْ جِيرَانِهِ بِاللَّيْلِ تَطْحَنُ،

<<  <   >  >>