للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجَارِيَةِ الصَّفْرَاءِ وَفَتًى، وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ مِنَ الْكِبَرِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَمَالِهِ وَبَهَائِهِ وَإِلَى شَعِر رَأْسِهِ قَدْ تَعَقَّفَ جُعُودَةً، حَتَّى أَتَيَا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَجَلَسَ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَى قَاعِدًا سَلَّمَ فَعَمَّ بِسَلامِهِ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ بِالْكِتَابِ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: عَادَ صَاحِبُكَ إِلَى الْقَضَاءِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: مَا ذَاكَ بِخَيْرٍ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ الْكِتَابَ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا كِتَابُ ابْنِ غَانِمٍ أَتَانِي فِي هَذَا الرَّجُلِ، يُخْبِرُنِي عَنْ حَالِهِ فِي بَلَدِهِ وَقَدَرِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكُمْ عَمِيدُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» .

قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَأَوْسَعَ لِي رَجُلٌ فَجَلَسْتُ، فَذَكَرُوا لَهُ الْعِلْمَ، فَقَالَ: لا يُؤْخَذُ هَذَا الْعِلْمُ إِلا عَنِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ فِي دِينِهِمْ، الْحَسَنِ مَخْبَرُهُمْ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَسَّانٍ: ثُمَّ يَأْتِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَا قَاعِدٌ وَقَدْ أَخَذَ بِضَبْعَيْهِ، فَرُبَّمَا قَالَ: الْعِلْمُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، الْعِلْمُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَسُئِلَ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً وَأَنَا أَحْسِبُهَا، فَمَا أَجَابَ إِلا فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَمْ يُجِبْ فِي الاثْنَتَيْنِ إِلا أَكْثَرَ مِنْ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَسَّانٍ: ثُمَّ اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُكْرِمًا لِي، رَحْمَةُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَهْلٍ فُرَاتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حَسَّانٍ، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى زِيَادَةِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَصَبْتُ عِنْدَهُ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ، وَأَبَا مُحْرِزٍ، وَهُمَا يَتَنَاظَرَانِ، فِي النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ، وَأَبُو مُحْرِزٍ يَذْهَبُ إِلَى تَحْلِيلِهِ وَأَسَدٌ يَذْهَبُ إِلَى تَحْرِيمِهِ، فَلَمَّا أَنْ قَعَدْتُ قَالَ لِي زِيَادَةُ اللَّهِ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ سُوءَ رَأْيِي فِيهِ وَقَاضِيَاكَ يَتَنَاظَرَانِ فِيهِ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ لِي: نَاظِرْنِي أَنْتَ وَدَعْهُمَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: اسْكُتَا،

<<  <   >  >>