للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له: "أبشر، فقال، قد أكثرت علي من أبشر١. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى٢، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح٣ فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا، فأخذ القدح ففعلا ٤، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة" ٥

قال النووي: "في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه" ٦.

ومجموع ما مضى من الأحاديث صريح في الدلالة على ضعف إيمان هؤلاء الجشعين على غنائم حنين وعلى سوء أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم، ويؤخذ منها أيضا أن هم هؤلاء هو المغنم لأنهم فروا في ميدان القتال وأصابهم الهلع والجشع بعد النهاية المعركة على الغنائم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن نفوس هؤلاء الأعراب والطلقاء ونحوهم، ولم تتهذب بأخلاق الإسلام ولم ترسخ في نفوسهم العقيدة الإسلامية ويظهر أن كثيرا من هؤلاء حسن إسلامهم فيما بعد وأصبحوا جنوداً باسلة في صفوف الجيش الإسلامي، وقد كان لحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على هؤلاء وقسمه بينهم تلك الغنائم الهائلة أثر كبير في تحسن إسلامهم ورضا نفوسهم وإيقانهم بأن هذا الكرم العظيم الذي لا يقادر قدره لا يصدر إلا من رسول حق لا يخشى الفقر ولا يقيم لحطام الدنيا وزنا. والله أعلم.


١ أبشر: بهمزة قطع، أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر (المصدر السابق ٨/٤٦) .
وعند مسلم: "فقال له الأعرابي"
٢ عند مسلم: "إن هذا قد رد البشرى".
٣ القدح: بفتح القاف والدال- آنية للشرب تروي الرجلين، وقيل هو اسم يجمع صغارها وكبارها، والجمع أقداح. ومتخذها قداح، وصنعته القداحة.
(لسان العرب لابن منظور٣/٣٨٨ والقاموس المحيط للفيروزآبادي ١/٢٤١، ومختار الصحاح لبي بكر الرازي ص ٥٢٣) .
٤ عند مسلم "ففعلا ما أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما"
قال ابن حجر: "أم سلمة هي: زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين ولهذا قالت: لأمكما" (فتح الباري ٨/٤٦-٤٧) .
٥ البخاري: الصحيح ٥/١٢٩ كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و ١/٤٢ كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، ذكر طرفا منه، انظر فتح الباري ١/٢٩٥و٣٠٢و٨/٤٦، ومسلم: الصحيح ٤/١٩٤٣ كتاب الفضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين.
٦ النووي: شرح صحيح مسلم ٥/٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>