للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سحيق، يكتب خطا من أين للوشي رقومه، أو للأفق الصاحي نجومه، كأنه طرة ريحان، أو روض فيه الطل حيران، خصوصاً إذا كتب الدرج وعلق، وتأنى في تنميقه وتأنق، يأتيك بالعجب، ويريك كما يقال سلاسل الذهب، مع سرعة لا يلحقه فيها البرق إذا خفق، ولا النور إذا سطع وولد الشفق، يكتب الإنشاء من رأس قلمه، ويؤلف الدر الثمين من كلمه، وله غوص في نظم ونثر، وتلعب بالعقول إذا نفث قلمه بسحره.

إلا أنه قصف غصنه، ووقفت في أوائل حلبة العمر حصنه، فأذواه الموت ريحانه، وأراق منه بنت حانه.

وتوفي رحمه الله تعالى في أواخر شوال سنة أربع وأربعين وسبع مئة.

ومولده سنة إحدى عشرة وسبع مئة.

وكان قد مرض في عمره مرضا حاداً مرات، ونجاه الله منها وسلمه إلى أن حم أجله فمات عبطه، وكان به لديوان الإنشاء أي غبطه.

كتب هو إلي في بعض علته هذه ولم أعده، من أبيات:

مولاي كيف كسرتني فهجرتني ... علماً بأني كيف كنتم راض

أو قلت إني لأعود ممرّضاً ... ظنّاً بأني لا محالة ماض

فكتبت أنا الجواب إليه عن ذلك:

أرسلتها مثل السهام مواضي ... نفذت من الأغراض في أغراض

فأتت وعتبك قد تخلّل لفظها ... مثل الأفاعي بين زهر رياض

دعني من الجبروت أو من أهله ... لا تجعلنّ سوادهم كبياضي

حاشاك أن تمضي وسعدك قد غدا ... مستقبلا فينا وأمرك ماض

<<  <  ج: ص:  >  >>