للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيته بالجامع الأموي في ليلة نصف شعبان وهو واقف ينضض بلسانه مثل الثعبان والناس في ذلك الأمر المريج، وكأن صحن الجامع بذلك الوقيد أزاهر الروض البهيج، فقلت له: يا مولانا أنشدنا شيئاً من شعرك، واقذف لنا قليلاً من لآلئ بحرك، فأنشدني من وقته في الحالة الراهنة أبياتاً جملة، أتى بها سرداً من أول وهلة، كأنما كان قد بيتها لذلك، أو سهر فيها ليلة الحالك، ومعناها تشبيه ذلك الوقيد والاشتعال، ووصف ما للناس به من الاحتفال والاشتغال، وتشبيه القومة وحركاتهم، وترقيهم في درجاتهم، وانحطاطهم في دركاتهم، بحيث لو وصف في ذلك لما صدقت، ولا ارتمى بي الظن إلى ذلك ولا حلقت، فما كدت أقضي عجبي منه، ووددت أنني لم أنفصل عنه. ثم إنني اجتمعت به بعد ذلك في جامع حلب، وكان الأمر على ذلك الأنموذج الذي مضى وذهب.

وأخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: رآني مرة وبين يدي كتاب له فاتحة ذهب، فأنشدني كأنه يتحدث:

أراك تنظر في شيء من الكتب ... وفي أوائلة شيء من الذهب

لو شئت تصرف نقداً من فواتحه ... صرفت منه دنانيراً بلا ريب

قال: فوهبته الكتاب، وأنشدته:

خذه إليك بما يحوي من الذهب ... ففي ندي السحب لا يخشى من اللهب

واضمم يديك عليه لا تمزقه ... فإنه ذهب من معدن الأدب

<<  <  ج: ص:  >  >>