للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضل زاد على الأفاضل، ومفتن قصر عنه من يناظرُ أو يناضل، أقرأ الجماعة للسبع، واحتفوا كأنهم أشبالٌ اجتمعوا على السبع، وكان نحوه يعذبُ في الأسماع منطقهُ، ويروقُ إلى القلوب رونقهُ، لو رآه ابن مالك كان له عبداً، أو ابن الحاجب لفداه بعينه نقداً، ولفقهه على درس منهاجه فيه روضة، وفتواه تمرعُ أرض السامع وتملأ حوضه. وأصوله باسقة، وسهامُه إلى الأغراض بالصواب راشقة، ينظم وينثر جيداً، لكنه مقل ولو شاء لم يكن عن الإكثار متحيداً. هذا كله إلى تواضُع زانه، وتضاؤلٍ رفع شأنه وما شأنه، وعلا به أقرانه، وحشا به فضله فما أسعد قرانه:

تلوح بين الدنيا فضائله ... كما تبرجت الأقمارُ في السدفِ

بادي التواضُع للأقوامِ من كرمٍ ... إن التواضع أقصى غايةِ الشرفِ

ولم يزل على حاله إلى أن نُقب القبرُ لابن النقيب، وأصابت كمالهُ عينُ الرقيب. وتوفي رحمه الله تعالى في سابع عشري شهر رمضان سنة أربع وستين وسبع مئة.

ومولده في سنة أربع وتسعين وست مئة بقلعة بلعبك. وكان والده بها نقيباً، واجتمعتُ به بالديار المصرية بالشام غير مرة، وكان يتفضلُ ويجلسُ عندي بالحائط الشمالي من الجامع الأموي بدمشق وآخذُ من فوائده وألتقط من فرائده.

قرأ على الشيخ مجد الدين التونسي، وعلى الشيخ شهاب الدين الكفري بالسبع، وحفظ الشاطبية والمنهاج للنووي - رحمه الله تعالى -، وقرأ على الشيخ كمال الدين الزملكاني، وعلى الخابوري، وعلى قاضي حماة وأذن له بالإفتاء بعد العشرين وسبع مئة وأذن له بذلك، وقاضي القضاة جلال الدين القزويني بالقاهرة سنة تسع وعشرين وسبع مئة. وحفظ مختصر ابن الحاجب والطوالع،

<<  <  ج: ص:  >  >>