للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحج في سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، ثم إنه حج في سنة سبع وأربعين وسبع مئة، عقيب موت ولده سليمان، فإنه حصل له ألم كبير بوفاته، وما رأى لنفسه دواء غير الحج.

وكان شاعراً يجيد المقاطيع لفظاً ومعنى، وله في ذلك بديهة مطاوعة، وفكرة متسرعة، وكان القاضي شهاب الدين بن فضل الله قد جدّد رسوم البدرية التي في أرض مَقْرى، وعمّرها في أيام الأمير علاء الدين ألطنبغا، وقرر فيها خطبة يوم الجمعة، وجعل هذا جمال الدين خطيباً بها، فهو أول من خطب بها، وكان أول يوم خطب به يوماً مشهوداً، اجتمع له القضاة والعلماء ووجوه الناس والأعيان، وعمل القاضي شهاب الدين ذلك النهار طعاماً كثيراً، وخلع فيه الخلع السنيّة، وخطب جمال الدين المذكور خطبة جيدة فصيحة الألفاظ بليغة المعاني، واستمر الى أن مات - رحمه الله - وهو يخطب من إنشائه.

وكتبت له توقيعاً بالخطابة، ونسخته:

رُسم بالأمر العالي لا زال يكسو المنابر جمالاً، ويُكسب أقمار الوجوه من الخطباء كمالاً، أن يرتّب المجلس السامي جمال الدين في كذا ثقة ببلاغته التي يرف على مياهها ريحانُ القلوب، وفصاحته التي يكاد لفظها لمن يذوق يذوب، وبراعته التي إذا قال: أيها الناس فقد غزا الأسماع بجيش غير مغلوب، وعظاته التي إذا فاه بها بكى الناس ليوسف بأجفان يعقوب، وعبارته التي نسج منها ابن المنيّر على خير أسلوب،

<<  <  ج: ص:  >  >>