للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عروة ما أحدث الناس مروأة أعجب إلي من الفصاحة وقال بعض البلغاء الفصاحة أوثق شاهد عدل على اجتماع شمل الفضل وأقوى دليل على استكمال الذكاء والنبل لم تزل تشيد لأهلها في ربوع المجد فخراً وترفع لهم في مراتب العلوم ذكراً وربما سودت غير مسود ورفعت من الحضيض الأوهد إلى محل النسر والفرقد ويقال بالفصاحة والبيان استولى يوسف عليه السلام على مصر وملك زمام الأمور وأطلعه ملكها على الجلي من أمره والمستور فإن العزيز لما رأى فصاحة لسانه وحسن بيانه أعلى مكانه وأعظم شأنه

ومما يتميز به نوع الانسان ... فصاحة المنطق وذلاقة اللسان

قال بعض الحكماء الكلام حد الانسان الحي الناطق وقالوا الصمت منام والكلام يقظة وقال عبد الملك بن مروان إن الكلام قاض يحكم بين الخصوم وضياء يجلو الظلم حاجة الناس إلى مواده كحاجتهم إلى مواد الأغذية ويقال حد الانسان إنه ناطق فمن كانت رتبته في النطق أبلغ كان بالانسانية أخلق وقال أبو الفرج الببغا في رسالة له مدح فيها الكلام الحيوان كله متساو بنعت الحركة والنمو فالانسان والبهيمة باشتمال هذا الوصف عليهما سيان وإنما فضل العالم الأنسي بالنطق المترجم عن مراد العقل المظهر للحكمة من القلب إلى العقل فإذا صحت بهذه القاعدة أن الانسان بفضيلة النطق أشرف مصنوع وأفضل مطبوع فقد وجب أن يكون أكمل هذا الجنس فضلاً وأحمد هذا العالم فعلاً ومن كان قسطه بفضيلة النطق موفوراً فمحله من ربع البلاغة معموراً وقال أيضاً من زعم أن الصمت أشرف مرتبة وأرفع منزلة من الكلام فقد حكم على الكلام بالنقصان وأحل العي محل البيان ولو كان الصمت أفضل من الكلام لتعبدنا الله به فيما انتدبنا له بالالهام وكان توحيد الله بحجج العقول في غنى عن واسطة أو رسول وقيل لبعض الحكماء أيما أفضل الصمت أو النطق فقال إن الله تعالى بعث أنبياءه بالنطق لبيان الحجة وإنك تمدح الصمت بالنطق ولا تمدح النطق بالصمت وما عبرت به عن شيء فهو أفضل منه ويقال من فضل الناطق على الصامت إن الناطق يهدي ضالاً ويرشد غاوياً ويعلم جاهلاً وقيل لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الصمت خير أم الكلام فقال لعن الله المساكتة فما أفسدها للسان وأجلبها للعي والله للماراة أسرع في

<<  <   >  >>