للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يجب مع التفكر على المحارب ... مشاورة النصحاء من أولي التجارب

قد كنا منا في صدر الكتاب ما يجب على العاقل من مشورة نصحائه في سائر أنحائه وانا ذاكر في هذا الباب ما يجب على الحازم من مشورة أودائه في كيفية لقاء أعدائه فإنهم قالوا ينبغي لكل ذي لب أن لا يبرم أمراً ولا يمضي عزماً إلا بمشورة ذي الرأي الناصح ومطالعة ذي العقل الراجح وقالوا الحازم إذا اشتبهت عليه مصادر الأمور جمع من أهل التجارب وجوه الرأي حتى يخلص له منها الصواب كالعاقل إذا ضلت له لؤلؤة فإنه إذا جمع ما حول مسقطها والتمسها يوشك أن يجدها وقالوا من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء ويجمع إلى عقله عقول الحكماء وقال بشار بن برد المشاور بين إحدى الحسنيين أما صواب فيفوز بثمرته أو خطا يشارك في مكروهه وقالوا الرأي السديد خير من الأسد الشديد وكان يقال المشورة سلم النجاح وطليعة الفلاح وقالوا الرأي في الحرب أنفع من الطعن والضرب وقال بعض الأعراب ما عثرت قط حتى عثر قومي قيل له وكيف قال لا أفعل شيأً حتى أشاورهم وقالوا حقيق أن يوكل إلى نفسه من أعجب برأيه ولقد أحسن أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في التحريض على مشاورة الاخوان عند مساواة الأقران بقوله

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أوّل وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان

فلربما طعن الفتى أقرانه ... بالراي قبل تطاعن الأقران

ولبعضهم

الرأي كالسيف ينبو إن ضربت به ... في غمده وإذا جردته قطعا

<<  <   >  >>