للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتاب والسنة) (١) .

ويلجأ إلى الحجة العقلية لإثبات الصفة الإلهية مع توحيد الله عز وجل، فإذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس أننا نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟ ومثال ذلك النخلة، لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص واسمها اسم شيء واحد وسميت نخلة بجميع صفاتها، فذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد (٢) .

وما أوقع الجهمية في الخطأ، تفسيرهم لآيات المعية الإلهية، فرأوا أن الله سبحانه وتعالى بذاته معهم في كل مكان، مؤيدين ذلك بمثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة، الآية: ٧] .

ولكن ابن حنبل يسلك معهم طريقين لإثبات خطأ تفسيرهم، الأول: لفت نظرهم إلى أن الآيات السالفة الذكر بدأت بعلم الله وختمت بعلمه، المعية إذن مع العباد ليست بالذات ولكن بالعلم، فالله تعالى مع عباده بعلمه أينما كانوا. هذا هو التفسير الصحيح.

ويسلك الطريق الثاني بالحجاج العقلي، فيفحم الخصم بوضع الأسئلة المتعددة التي تضطره إلى اختيار إحدى الإجابات، فيلزمه بالخطأ أو يفحمه فيغير رأيه.

ونترك الإمام يتكلم هنا بأسلوبه الجدلي في نقاشه مع أحد الجهمية:

إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان فقل: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء خلق في نفسه أو خارجًا من نفسه فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال لابد له من واحد منها، إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه كفر، حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه.

وإن قال: خلقهم خارجًا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا كفرًا أيضًا حين


(١) الرد على الزنادقة ص ٧٧.
(٢) نفس المصدر ص ٩١.

<<  <   >  >>