للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا في سائر الصفات، أي: أنها ليست زائدة على الذات. وهنا سأل إسحاق الإمام أحمد (ما أردت بقولك سميع بصير) ؟ وربما أراد أن يستخرج منه إجابة يلزمه بها بالتشبيه أو التجسيم، ولكن ابن حنبل أجاب بقوله: (أردت منها ما أراده الله منها، وهو كما وصف نفسه، ولا أزيد على ذلك) .

ويبدو أن هذه المناقشات قد تسربت إلى الجماهير الغفيرة من المسلمين، فضلاً عن علمائهم، فقد كانت القلوب تحيط بالإمام، مشفقة عليه تخشى عليه من ألوان الأذى التي أصيب بها. ولم يستطح السلطان الكبير للمأمون وأتباعه أن ينالوا من مكانة الشيخ في قلوب المسلمين الذين اتخذوه إمامًا لهم. ونعثر في هذا الصدد على عبارة قالها أحد أولئك الذين حاولوا شد أزره في المحنة، قال له: (وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك) (١) وقد ترددت حجج الإمام أحمد على الألسنة، وأخذت مكانها في الرد على أهل الاعتزال.

وتنقل لنا كتب التاريخ المناظرة بين الأذري شيخ أبي داود والنسائي، وبين ابن أبي دؤاد محامي المعتزلة، أمام الخليفة الواثق. وقد تمت المناظرة على النحو التالي:

وجه الإمام عبد الله الأذري الأسئلة الثلاثة الآتية إلى ابن أبي دؤاد:

الأول: هل ستر الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئًا مما أمره الله عز وجل في أمر دينهم؟

الثاني: حين أنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة، الآية: ٣] .

هل كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ وقد قوبل السؤالان بالصمت بلا إجابة.

الثالث: أخبرني عن مقالتي هذه، علمها رسول الله أم جهلها؟ فأجاب ابن أبي دؤاد: علمها، قال الإمام أحمد: فدعا الناس؟ فسكت، وهنا علق الأذري قائلاً: (فكيف وسعه - صلى الله عليه وسلم - أن ترك الناس ولم يدعهم إليه وأنتم لا يسعكم؟) فبهت الحاضرون وأمر الواثق بخلاص الإمام الأذري وقد علق الذهبي على هذا الإفحام بقوله: إنه إلزام صحيح وبحث لازم للمعتزلة (٢) .


(١) ابن كثير: البداية ج ١ ص ٣٣٢.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي (واسم الإمام كاملا أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذري شيخ
=

<<  <   >  >>