للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأجسام مركبة من الجواهر الصغار التي قد بلغت من الصغر إلى حد لا يتميز منها جانب عن جانب وتلك الجواهر باقية تتقلب عليها الأعراض أو الصفات الحادثة.

وبناء عليه يرى هؤلاء المتكلمون أن الله تعالى أحدث أعراضًا كجمع الجواهر وتفريقها فالمادة التي هي الجواهر المنفردة باقية بأعيانها، ولكن أحدث صورًا هي أعراض قائمة بهذه الجواهر (١) .

ويترتب على هذه النظرية أشد النتائج انحرافًا، لأنه لا يختلف عن مذاهب الفلاسفة القائلين بقدم العالم، فانهارت بذلك الحجج العقلية للمتكلمين الذين ظنوا أنهم بأدلتهم يدافعون عن الإسلام، وأصبحوا (كمن أراد أن يغزو العدو بغير طريق شرعي فلا فتح بلادهم ولا حفظ بلاده، بل سلطهم حتى صاروا يحاربونه بعد أن كانوا عاجزين عنه) (٢) .

أما الحقيقة الماثلة للأذهان، وأظهر ما تكون في خلق الإنسان نفسه، أنه خلق من تراب وحوله الله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [السجدة، الآية: ٧ - ٨] .

فقد خلق الله الإنسان ولم يك شيئًا (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) [مريم، الآية: ٩] ولا تعني الآية الأخيرة أنه خلق من لا شيء لأنه قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء، الآية: ٣٠] وهذه هي القدرة التي تبهر العقول وتذهلها، وهو أن يقلب الحقائق الموجودة فيحيل الأول ويفنيه ويلاشيه ويحدث شيئًا آخر فأصل الإنسان التراب وفصله الماء المهين، فإذا خلق الله الإنسان من المني، فالمني استحال وصار علقة، والعلقة استحالت وصارت مضغة، والمضغة استحالت إلى عظام وغير عظام، فالإنسان مخلوق خلق الله جواهره وأعراضه كلها من المني أي: من مادة استحالت، فليست باقية بعد خلقه ويحدث الله فيها صورًا عرضية كما يزعم المتكلمون.

وعند إفناء الإنسان إذا مات وصار ترابًا فني وعدم وكذلك سائر ما على


(١) ابن تيمية: النبوات ص ٥٣ ط المنيرية ١٣٤٦هـ.
(٢) ابن تيمية: شرح العقيدة الأصفهانية ص ٦٣.

<<  <   >  >>