للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيب]

بعد دراستنا لبعض المشكلات الكلامية التي أثيرت في العالم الإسلامي على صعيد العقيدة والفكر، انتهينا إلى الاقتناع بأن طريقة القرآن الحكيم تسمو ببراهينها على كافة الطرق، وأن منهج الاقتداء مع الوعي والفهم والتدبر يوصل إلى الحق من أقصر طريق لأنه الطريق المستقيم. وعلينا هاهنا أن نقف نستطلع بنظرة عامة مقارنة، ما كان عليه السلف وما طرأ على المسلمين من تغييرات وإذا اكتفينا بدليل واحد وهو الموقف من القرآن الكريم فما أشد المفارقة والتباين بين الصحابة وتابعيهم الذين آمنوا بأن القرآن كلام الله، فخشعت له قلوبهم وخضعت جوارحهم لأحكامه، فاستغرقهم التدبر في آياته وتنفيذ أحكامه، وبين القوى التي أهدرت في المناقشات والمحاورات والاختلافات.

إن الموازنة بين الاتجاهين توضح لنا الآثار التي خلفها علم الكلام بحجة استخدام النظر في الدفاع عن العقيدة الذي نشأ على أيدي المعتزلة - والنظر في اصطلاحهم وهو الفكر الذي يطلب من قام به علمًا أو غلبة الظن (١) - وليس اليقين. فما الذي أدى إليه هذا الفكر؟

كان الصحابة - رضي الله عنهم - وهم صدور هذه الأمة يعرفون حق القرآن الكريم عليهم، فوصفهم ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: (كان القرآن ثقيلا عليهم، أي: يقدرونه حق قدره ورزقوا علمًا به وعملاً، وإن آخر هذه الأمة يخف عليهم القرآن حتى يقرأه الصبي والعجمي لا يعلمون منه شيئًا) .

ومهما يكن من أمر في تفسير ظهور المشكلة وآثارها، فإنها لا شك خلفت مظاهر لا تخفى على عين قارئ التاريخ الباحث عن الحقيقة متجردًا من الهوى فقد ارتفع نصيب المناقشات الجدلية على حساب الإيمان، فنقص هذا وزاد ذاك. يقول الأنصاري في كتاب (ذم الكلام) : (وأوجبوا النظر في الكلام واضطروا إليه الدين بزعمهم، فكفروا السلف وسموا الإثبات تشبيهًا.. فلا يكاد يرى منهم رجلاً ورعًا، ولا للشريعة معظمًا ولا للقرآن محترمًا ولا للحديث موقرًا، سلبوا التقوى ورقة القلب


(١) فتاوى ابن تيمية ج ٥ ص ٣٣٣ تحقيق مخلوف.

<<  <   >  >>