للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينسب الأشعري إلى ابن كلاب لاعتناقه بعض عقائده - كما سنرى - ثم صارت الشهرة بعد ذلك لأبي الحسن الأشعري، وصار على نهجه كبار الأئمة المنتسبين إليه كالباقلاني ٤٠٢ هـ، والجويني ٤٧٨ هـ، والغزالي ٥٠٥ هـ، والشهرستاني ٥٤٨ هـ، والرازي ٦٠٦ هـ، وغيرهم.

ومنذ قيام الأشعري والأشعرية بعده بالرد على المعتزلة ومعارضتهم، أصبح هناك تياران يعيشان جنبًا إلى جنب، كل منهما ينتهج منهجًا متميزًا وإن كان الاثنان يرتبطان بالسنة والجماعة تميزهما عن الفرق الخارجة عن الجماعة كالخوارج والشيعة والمعتزلة والقدرية والجهمية.

والمنهجان ينتسبان إلى السنة ويعلنان أنهما يتمسكان بها، ولكن المحدثين يرون أن منهجهم وحده الذي يلتزم باتباع طريقة السلف.

وكانت الضربة القاضية للمعتزلة على يد واحد كان منهم - ونعني بذلك أبا الحسن الأشعري، وتاريخه الذي يعبر تعبيرًا صادقًا عن الأزمة النفسية والاضطرابات التي لاقاها بعد أن عاش أربعين سنة على الاعتزال متتلمذًا على أبي علي وولده أبي هاشم الجبائي ٣٠٣، ٣٢١ هـ ولكنه عندما عرف طريقة الإمام أحمد ومنهجه وعقيدة أهل السنة والجماعة التي امتحن وابتلي بسببها، عندما عرف ذلك كان شجاعًا في التصريح بنبذه منهج المعتزلة وعقائدهم، وأخذ يؤلف كتبه للرد عليهم ونقض آرائهم وتابعه الأئمة المنتسبون إليه بعده كالباقلاني والجويني والغزالي وغيرهم.

ولم يكن طعن المنهج الاعتزالي وتأويلاته بالقهر والقسر كما فعل المأمون وخلفاؤه في قضية خلق القرآن، ولكن بمقارعة الحجة بالحجة، واستخدام المنهج العقلي سواء بطريقة أبي الحسن الأشعري وأتباعه، أو بالمنهج الذي أضله علماء الحديث والسنة الذي درسنا فكرة عنه، على لسان الإمام أحمد بن حنبل وعبد العزيز المكي وغيرهما.

ولكن الصحيح أيضًا أنه قامت موجة عارمة بواسطة علماء الحديث لصد موجة الاعتزال، ولكنها مهما أخذت شكل العنف أحيانًا أو الالتجاء إلى أولي الأمر، فإنها لم تصل إلى ما وصلت إليه على يد المأمون، الذي شاء (أن يجعل من تعاليمهم

<<  <   >  >>