للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكانة الصحابة - رضي الله عنه - في الأمة

تخبرنا كتب التاريخ وصحائفه عن اكتمال الفهم والمعرفة لأصول الدين جميعًا لدى الصحابة - رضي الله عنهم - وكان ذلك بفضل طاعتهم للآيات القرآنية التي حثتهم على التدبر في غير موضع، مثل قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص، الآية: ٢٩] وعلى العكس وصف الكفار والمنافقين بالإعراض عن تدبره في مثل قوله تعالى عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء، الآية: ٨٢] ومعنى ذلك أن معانيه مما يمكن للكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها فهي إذن ممكنة للمؤمنين أيضًا، ويدل على أن معانيه كانت معروفة بينة لهم.

وأيضًا فإن الله عز وجل بين أنه أنزل القرآن عربيًا لكي يعقلوه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف، الآية: ٢] والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه، وذم من لا يفقهه: (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) [النساء، الآية: ٧٨] فلو كان المؤمنون غير عاقلين لاصطفوا في صف واحد مع المنافقين والكفار الذين ضرب لهم مثلاً بقوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [البقرة، الآية: ١٧١] فكيف إذن يمكن وضع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بمنزلة الكفار الذين ذمهم الله في أكثر من موضع لأنهم أعرضوا عن تدبر القرآن واتبعوا أهواءهم، فقال تعالى في وصفهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) [محمد، الآية: ١٦] (١) .

ويضيف شيخ الإسلام ابن تيمية إلى كل هذه الأدلة، ما ثبت عن كل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس أنه نقل عنهما من التفسير ما لا يحصيه إلا الله فقد قال ابن مسعود: "لو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته".

وجاء التابعون فتعلموا التفسير من الصحابة، قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره، أقف عند كل آية وأسأله عنها؛ لهذا قال سفيان


(١) ابن تيمية فتاوى ج ٥ ص ١٥٧ و ١٥٩ ط الرياض.

<<  <   >  >>