للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. فالأصل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد يبلغ الرسالة كما أمر ولم يكتم منها شيئًا تنفيذا لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل، الآية: ٤٤] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة، الآية: ٦٧] وقد أخبر الله بأنه قد أكمل الدين، وقال الرسول صلوات الله عليه: "ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به".

وبناء على هذا الأصل، فإنه تبين لنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أوضح كافة الأصول الإسلامية مما أخبر به عن الله تعالى من أسماء الله وصفاته مما جاء في القرآن، وشرح وبين لأصحابه هذه الأصول كلها كأحسن ما يكون البيان. قال أبو ذر: "لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا".

كان الصحابة حريصين على الفهم والاستيعاب الدقيق الكامل لكل ما يتعلمونه من القرآن والحديث، فإن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوهما حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل (قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا) وقام عبد الله بن عمر يحفظ سورة البقرة في ثمان سنين لاستغراقه في المعرفة والفهم (١) .

وكانت أم الدرداء تصف زوجها بأن أفضل عمله التفكر (٢) وعلى العكس من هذه الحقيقة، فإن الادعاء بأن الصحابة كانوا مشغولين بالجهاد - كما يذكر بعض المتكلمين - فإنه يحمل في طياته ذم الصحابة بل يجعل مذهب السلف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغ قرآنًا لا يفهم معناه، بل تكلم بأحاديث الصفات وهو لا يفهم معناها، وأن جبريل كذلك وأن الصحابة والتابعين كذلك وهذا الموقف - كما يذكر ابن تيمية - ضلال عظيم (٣) .


(١) ابن تيمية: فتاوى ج ٥ ص ١٥٥ و ١٥٦ ط الرياض.
(٢) نقض المنطق ص ٨٧.
(٣) شرح حديث النزول.

<<  <   >  >>