للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بديهيات، وأوليات وضروريات وكلها ألفاظ مترادفة تطلق منهجيًا على القواعد الأساسية للمعارف والعلوم، وبها يتبين غيرها، يقال: بين الأمر أي تبين في نفسه ويقال بين غيره، فالبين: اسم لما ظهر في نفسه ولما أظهر غيره، وكذلك المبين كقوله فاحشة مبينة أي: متبينة. ومقدمات الأدلة تكون معلومة بنفسها كالمقدمات الحسية والبديهية، وبها يتبين غيرها فيستدل على الخفي بالجلي والهدى أيضًا هو بيان ما ينتفع به الناس ويحتاجون إليه وهو ضد الضلالة، فالضال يضل عن مقصوده وطريق مقصوده وهو سبحانه عرفهم أن الله هو المقصود المعبود وحده وأنه لا يجوز عبادة غيره.

ويوضح الصلة بين البينات والهدى فيذكر أن البينات فيها بيان الأدلة والبراهين وعلى ذلك فليس ما يخبر به ويأمر به من الهدى قولاً مجردًا عن دليله ليؤخذ تقليدًا واتباعًا للظن، بل هو مبين بالآيات والبينات - وهي الأدلة اليقينية والبراهين القطعية.

ثم يخطو خطوة أخرى فيذكر أن الهدى التام لا يكون إلا مع الفرقان، ولهذا قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة، الآية: ١٨٥] ، فالفرقان هو المفرق بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب والمأمور والمحظور والحلال والحرام، وأيضًا فإن الأدلة تشتبه كثيرًا بما يعارضها فلا بد من الفرق بين الدليل الدال على الحق وبين ما عارضه ليتبين أن الذي عارضه باطل، فالدليل يحصل به الهدى وبيان الحق لكن لا بد مع ذلك من الفرقان وهو الفرق بين ذلك الدليل وبين ما عارضه (١) .

ويضرب الأمثلة على ما يقصده بالفرق بين الهدى والفرقان، فالهدى مثل أن يأمر بسلوك الطريق إلى الله كما يؤمر قاصد الحج بسلوك طريق مكة مع دليل يوصله، والبينات ما يدل ويبين أن ذلك هو الطريق وأن سالكه سالك للطريق لا ضال، والفرقان أن يفرق بين ذلك الطريق وغيره وبين الدليل الذي يسلكه ويدل الناس عليه وبين غيرهم ممن يدعي الدلالة وهو جاهل مضل. وهذا وأمثاله مما يبين


(١) ابن تيمية: النبوات، ص ١٦٢.

<<  <   >  >>