للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اضطهادات أو مشاق يقابلونها بسبب عقيدتهم، ثم انطلقوا ينشرونها، ويدافعون عنها ويبذلون في ذلك الأنفس والنفائس.

يقول ابن الوزير اليماني:

لولا ثقل موازينهم في الشرف والدين ما اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأدلة الدين الجديد فلم يعبأوا أمام وضوح الأدلة ورسوخها في عقولهم ومالوا عن إلف دين الآباء والأتراب والقرباء إلى أمر شاق على القلوب، ثقيل على النفوس، لا سيما وهم في ذلك الزمان أهل الأنفة (١) .

والصحابة - رضي الله عنهم - هم أيضًا الواسطة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين الأمة، ولذلك امتدحهم عليه السلام وجعلهم الأفضل على مدى الأجيال، ففي حديث صحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " (٢) .

قال ابن عبد البر: (وما أظن أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم معنيون بمعرفة أصحاب أنبيائهم، لأنهم الواسطة بين النبي وبين أمته) (٣) .

والأدلة كثيرة تدل على فطنتهم وذكائهم، وأنهم كانوا أصحاب دراية وفكر ونظر، ولم يكونوا من السذج بحيث يخدعون أو يؤمنون كإيمان العامة. يروي لنا ابن كثير في تفسيره عن أحد صالحي المهاجرين وهو جندب بن كعب الأزدي أنه رأى عند الوليد بن عقبة ساحرًا يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصبح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى! فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه، وذهب حيث يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقا فليحي نفسه وتلا قوله تعالى: (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [الأنبياء، الآية: ٣] ولا شك أنه كان يعرف الحديث "حد الساحر ضربة


(١) ابن الوزير اليماني: الذب عن سنة أبي القاسم ج ١ ص ٥٥.
(٢) رواه البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
والمد: ربع الصاع، وإنما قدره لأنها أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة.
(٣) ابن عبد البر: الاستيعاب ص ١٩.

<<  <   >  >>