للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحابة في معرفة الدين أصولاً وفروعًا (١) .

ثانيًا الدليل العقلي:

ففضلاً عن النصوص المستفيضة عن الصحابة - رضي الله عنهم - في التفسير، والتي تدل على فهمهم للقرآن الكريم وتدبرهم، وإحاطتهم بالأدلة التي قدمها كالآيات وضرب الأمثلة واستخدام الأقيسة العقلية، فإن استخدامنا للدليل العقلي يبرهن أيضًا على أن حواريي الرسل وصحابتهم هم أكثر الناس فهمًا لرسالتهم من غيرهم بأصولها الكبرى وفروعها ودقائقها أيضًا، وأن المتأخرين هم أكثر الناس بعدًا عن الرسالات وفهمها باستثناء القلة الحريصة على اتباع السابقين عليهم بمنهج النقل الدقيق كما فعل أهل الحديث والسنة.

وهذا هو التفسير المنطقي المعقول الذي يشهد به تاريخ الدعوات الدينية، فهي (تقوم إبان نشأتها على معتنقين اتجهوا نحوها بقلوبهم وتفاوتوا فيها بأرواحهم. وكم روى التاريخ من أخبار الرسول صلوات الله عليه وأن إشارته كانت تقابل بالتنفيذ من الجميع، فإذا ما فترت الدعوة وضعفت العقيدة وخمدت حرارة الإيمان الأولى، أخذ الناس يبحثون في معتقداتهم ويعللون ويناقشون ويعارضون) (٢) .

ولم نذهب بعيدًا في التعليل والتفسير بينما كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سباقًا إلى تعليل اختلاف المسلمين متنبئًا بما سيحدث في العصور التالية لعصر الصحابة مفسرًا إياه بنقص درايتهم بالقرآن وافتقادهم لفهمه على الوجه الصحيح فقد خلا عمر - رضي الله عنه - ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيما أنزل وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان كذلك اختلفوا فيكون لكل قوم فيه رأي..


(١) لم يكن تقسيم الدين إلى أصول وفروع معروفًا في عصر الصحابة والتابعين ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة.
(٢) د. إبراهيم مدكور: في الأخلاق والاجتماع ص ٢٦ ط الهيئة العامة للنشر.

<<  <   >  >>