للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلة العلم بالدين في العصر الحديث: (أو العلاقة بين المادة والروح)

إن الانبهار والذهول أمام التقدم العلمي الذي سحر أعين الناس وقلوبهم قد شكل معالم القضية الماثلة للأذهان وهي: ضمور الاعتقاد بالغيبيات والحقائق الدينية حيث ساد في وقت ما الاعتقاد أن العلم سيحقق السعادة الكاملة وبذلك يمكن الاستغناء عن العقائد الدينية.

هذه هي القضية الملحة التي دارت حولها المناقشات وتشكل حجر الزاوية في ملامح العصر الحاضر.

ويرى برتراند رسل أن العلوم في العصور الجديدة أسكرت البشر ودفعت الكثيرين للسيطرة على بقية البشر بواسطة القوى التي حققها التقدم العلمي، وهو لا ينتقد هذه المعارف العلمية في ذاتها، ولكن ينتقد وضعها في أيدي أناس يفتقدون الحكمة. ولو وضعت في أيدي الحكماء لعرفوا كيف يستخدمونها.

إن هذه الحكمة موجودة إلا أنها - مع الأسف - لا حول لها ولا قوة على الأحداث، ثم يعطينا فكرة عن ضرورة تحقيق التعادل بين قوتي العلماء والحكماء فيقول: (لقد دعا الأنبياء والحكماء إلى تجنب الدنايا والصغائر، ولو أننا أنصتنا إليهم لعشنا في سعادة متجددة) (١) .

والرأي الذي ذهب إليه رسل يشاركه فيه الكثيرون في الآونة الأخيرة بعد المراحل التي مر بها العلم منذ عدة قرون، فقد توقع أغلب العلماء في القرن التاسع عشر الميلادي الذين آمنوا بالعلم، توقعوا له القدرة على الإحاطة في المستقبل بمجهولات الغيب التي لم يحط بها في ذلك الحين ولكن حينما أطل القرن العشرون تواضعت دعوى العقل (٢) .

وأخذت عقول العلماء تنحني إجلالا لحقائق ما فوق طور العلم التجريبي الحسي، ورأينا الاعترافات تصدر من علماء كثيرين لهم مكانتهم فها هو أنيشتين يقول: (العلم بغير دين أعرج، والدين بغير علم أعمى) .


(١) رسل: هل الإنسان مستقل؟ ص ١٢ - ١٣.
(٢) العقاد: عقائد المفكرين في القرن العشرين ص ٣٢ - ٣٥.

<<  <   >  >>