للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انقلبت بعدهم، فظهر الجدل في الدين على حساب العمل، أو كان بداية لفرقة وحدة المسلمين وتفتيت جماعتهم وظهور علامات الوهن بين صفوفهم.

لذلك اعتبر علماء الحديث ظهور الجدل الكلامي لونًا من الردة، وعللوه بقلة الفقه في الدين وذهاب العلماء لقول الدارمي: (وكانوا مقموعين أيام الصحابة والتابعين مقهورين بسلطان الدولة وحجج العلماء، ولكنهم عندما بعد الزمن وجدوا الفرصة لنشر مذاهبهم عندما وجدوا من الرعاع جهلاً ومن العلماء قلة) (١) .

لقد بحث المتكلمون ونقبوا في تاريخ الصحابة وأيامهم فلم يجدوا آثارًا تدل على خوض الصحابة فيهم، فاستنتجوا أنهم لم يعرفوها وهذا منهج خاطئ في البحث والتصور لقول السفاريني:

ولما كان عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان خاليًا من البدع الكلامية والشبه الخيالية والخصوم المعتزلية، لم تكن أدلة علم أصول الدين مدونة هذا التدوين (٢) . كما تمادى المتكلمون بالطعن في الصحابة فزعموا أنهم كانوا مشغولين بالجهاد عن تناول أمهات أصول الدين والحق أن الجهاد كان ثمرة العقيدة وتجسيدًا وتعبيرًا عن تمكنها من النفوس والقلوب.

ولا يمكن تفسير الانتصارات المذهلة للصحابة إلا في ضوء استجابتهم لعقيدة الإسلام وفهمها حق الفهم وتطبيقها عمليًا فاجتذبوا غيرهم من الشعوب ذات الحضارات العريقة فكان الصحابة في وضع الطلائع والصفوة الممتازة.

ولما كانت حضارة الإسلام منتصرة وسائدة لا انتصارًا عسكريًا فحسب فإن - ذلك يعبر عن المقدمات - ولكن تغلغلا إلى أعماق الشعوب عقائديًا ونفسيًا؛ لأن حملة العقيدة الجديدة كانوا هم الأفضل والأجدر بالاتباع والانقياد.

وظهرت حروب الردة لتكشف معادن الرجال مبرهنة على أن قوة الإيمان في صف أبي بكر والصحابة وقد وقفت سدًا مانعًا لمواجهة أية ثغرة في العقيدة، وكانت


(١) عقائد السلف (نقد الدارمي على المريسي) .
(٢) مختصر السفاريني، ص ٥ تحقيق محمد زهري النجار - دار الكتب العلمية بيروت
١٤٠٣ هـ/ ١٩٨٣ م.

<<  <   >  >>