للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحرف، وهو في حق الله عز وجل محال؛ فكلامه تعالى خارج عن مشابهة المعتاد، لائق بالرب، إذ لا يجزم العقل بأن الكلام إذا كان على غير الوجه المعتاد - محال. فالموقف الصحيح إذن الوقوف مع ظاهر الأخبار مجردًا.

وكذلك باقي الصفات إنما نفاها من نفاها للزوم التركيب عنده في ذات الباري تعالى وهذا قطع من العقل الذي ثبت قصور إدراكه في المخلوقات فكيف بإثبات صفات الله تعالى، فالصواب في حقه أن يثبت من الصفات ما أثبته لنفسه، والإقرار مع ذلك بالوحدانية له على الإطلاق والعموم.

تحكيم العقل على الله تعالى بحيث يقول: يجب عليه بعثة الرسول ويجب عليه الصلاح والأصلح ويجب عليه اللطف.. إلى آخر ما ينطق به أصحاب المذاهب العقلية المنحرفة، ونتج هذا لأن المعتاد إنما حسن في المخلوق من حيث هو عبد مقصور محصور ممنوع، والله تعالى ما يمنعه شيء ولا يعارض أحكامه حكم، فالواجب الوقوف مع قوله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) [الأنعام، الآية: ١٤٩] ، وقوله: (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [آل عمران، الآية: ٤٠] . ويقول الإمام الشاطبي في النهاية: (فالحاصل من هذه القضية أنه لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع، فإنه من التقدّم بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل يكون ملبياً من وراء وراء) (١) .

[موقف التابعين إزاء المخالفين]

كان موقف علماء التابعين امتدادًا للصحابة رضي الله عنهم ومن هنا نراهم يجابهون الآراء الشاذة التي أعلنها أمثال "غيلان الدمشقي" و"جهم بن صفوان ".

وقد حفلت كتب التاريخ بالمناقشات الدائرة بين بعض التابعين وزعماء الخوارج وأصحاب الآراء التي شذ بها أصحابها عن معتقدات الصدر الأول.

وسنقتطف نبذة يسيرة من هذه المناقشات لمعرفة المنهج الذي اتبعه علماء التابعين في جدالهم مع المخالفين، ومنها مناقشة دارت بين "عمر بن عبد العزيز" - الذي لقب بالخليفة الخامس بسبب تقواه وعدله واستنانه بسنن الراشدين قبله - وبين "غيلان الدمشقي" الذي كان أول من أعلن نفي القدر وتنسب إليه فرقة (القدرية) أي: نفاة القدر.


(١) الاعتصام للشاطبي - ج ٣٣١ دار المعرفة، بيروت ١٤٠٨ هـ / ١٩٨٨ م.

<<  <   >  >>