للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول "الملطي" بعد سرد عقائد فرق الجهمية: (وهذا جماع كلام الجهمية وإنما سموا جهمية لأن "الجهم بن صفوان" كان أول من اشتق هذا الكلام من كلام السمنية (١) ، وكانوا شككوا في دينه حتى ترك الصلاة أربعين يومًا، وقال لا أصلي لمن لا أعرفه ثم اشتق هذا الكلام، وبنى عليه من بعده) (٢) . ولقد لخص وكيع بن الجراح الاعتقادات التي ذمها السلف بقوله: (القدرية يقولون الأمر مستقبل وأن الله لم يقدر الكتابة والأعمال، والمرجئة يقولون: القول يجزئ من العمل، والجهمية أتباع "جهم بن صفوان" يقولون: المعرفة تجزئ من القول والعمل) (٣) . وقد مرت القدرية بمرحلتين: في المرحلة الأولى أنكروا القدر بالمعنى الوارد بالحديث في الصحيحين عن "عبد الله بن مسعود" أن الله يبعث ملكًا بعد خلق الجسد وقبل نفخ الروح فيه فيكتب أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. ولكن عندما اشتهر الكلام في القدر في مرحلة تالية وشارك فيه كثير من النظار أصبح أغلب القدرية يقرون بتقديم العلم الإلهي، وينكرون عموم المشيئة والخلق (٤) .

ويتضح لنا من العرض التاريخي أن بذور الانشقاقات بدأت متناثرة وبواسطة أفراد معدودين، جوبهوا بردود مفحمة ومواقف حاسمة لبتر آثارهم حتى لا تستشري وتنتقل عدواها إلى غيرهم. ثم بدأ الاعتزال بواسطة واصل بن عطاء ١٣١ هـ وعمرو بن عبيد ١٤٨هـ، وتضخم بعدهما المذهب، إذ جمع ما تناثر من الأقوال الآنفة في شكل نسق شبه فلسفي متضمنا الأصول الخمسة عند المعتزلة.


(١) السمنية: بعض الهند وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات.
(٢) الملطي: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص ٩٩.
الجعد بن درهم: يصفه الذهبي بأنه مبتدع ضال، زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى - ميزان الاعتدال ج ١ ص ١٩٧ ط الخانجي سنة ١٣٢٥ هـ - وقال أبو حنيفة عن جهم: (أفرط جهم في نفس التشبيه حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في معنى الإثبات حتى جعله مثل خلقه) ميزان الاعتدال ج ٣ ص ١٩٦.
(٣) ابن تيمية: كتاب الإيمان مكتبة أنصار السُّنَّة المحمدية بالقاهرة ص ٢٢.
(٤) نفسه.

<<  <   >  >>