للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدى عنده وميلا لتقبل نتائجها. ولكن تحميل الترجمة النتائج التي حدثت في العالم الإسلامي حينذاك ليس دليلا على كراهية "ابن تيمية" للترجمة في ذاتها ولكن بسبب تشجيع المأمون للاتجاهات الفلسفية والكلامية.

هناك إذن عامل داخلي يتمثل في بدء حركة انحسار الوازع الديني والخروج عن الأصول والقواعد المستقرة الثابتة، ولكن الحركة على ضآلتها في البداية حوصرت وعولجت بحسم، ثم أخذت في الازدياد باتساع رقعة العالم الإسلامي وشيئًا فشيئًا ضعفت المقاومة بسبب موت الصحابة وتفرقهم في الأمصار، ثم موت كبار التابعين أيضًا.

ويتضح أثر العامل الخارجي بشكل أشمل إذا بحثنا ظروف الترجمة وأدوارها وآثارها، فالمشهور أن أول ترجمة للكتب اليونانية إلى العربية تمت في عهد "خالد بن يزيد بن معاوية" (توفي ٨٥ هـ) وكانت في بدايتها - فيما يبدو - قاصرة على العلوم إذ كان "يزيد" هذا مولعًا بكتب الكيمياء (١) .

ولكن عملية الترجمة بدأت على نطاق واسع بواسطة "يحيى بن خالد بن برمك" (متوفى ١٩٠ هـ) في خلافة الرشيد.

وواقعة الترجمة لا تخلو من بعض المعاني التي يحسن بالباحث أن يتأملها حيث قيل: إن "يحيى بن خالد" هذا كان زنديقًا، وإنه صانع ملك الروم وأرسل إليه الهدايا طالبًا نقل الكتب اليونانية - وكانت مخبأة تحت بناء - فجمع الملك البطارقة والأساقفة والرهبان طالبًا منهم المشورة والرأي، وكان من رأيه أن الخير في حبس الكتب عن رعيته من النصارى لأنه خاف عليهم منها إذ قد تكون سببًا لهلاك دينهم، ويفضل إرسالها إلى خالد البرمكي؛ لكي يبتلى بها المسلمون ويسلم رعاياه من شرها، فوافقه المجتمعون على ذلك فنفذه.

واهتم بها "يحيى بن خالد البرمكي" (فجعل المناظرة في داره والجدال فيما لا ينبغي، فيتكلم كل ذي دين في دينه، ويجادل عليه آمنًا على نفسه) (٢) .


(١) السيوطي: صون المنطق ١/ ٤٢.
(٢) ن. م ص ٤١.

<<  <   >  >>