للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله - صلى الله عليه وسلم - وبيانًا لحد ما جب عليه؟ (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران، الآية: ٢٠] أي: في الذي ببواطنهم وما أقام عليهم من الحجة، إذ لا مطمع في هداية المرء والجدال والحجة وكيف يطمع فيهم وقد حكى الله تعالى عنهم أنهم جادلوه يوم القيامة وأنكروا ما صنعوا من معاصيه سبحانه وتعالى حتى شهدت عليهم أيديهم وأرجلهم فقالوا لأعضائهم لم شهدتم علينا (١) ؟

وإن قيل: إن الله - تعالى - قد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالجدل في قوله تعالى: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل، الآية: ١٢٥] فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى بين ذلك بالتي هي أحسن ولم يأمره بمطلق الجدال، فامتثل ما أمره ومع ذلك فلم ينقل عنه أنه جادل بأساليب المتكلمين والجدليين فثبت أن التي هي أحسن ليست سبيل المتكلمين مثل ما علم الله رسوله أن يحاجهم به في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سبأ، الآيتان: ٤٦ - ٤٧] ، وتنفيذه للأمر الإلهي (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) فصعد على الصفا فجعل ينادي لبني قريش حتى اجتمعوا فسألهم "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم كنتم مصدقي؟ " قالوا: (نعم ما جربنا عليك إلا صدقًا) قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، والأمثلة الأخرى كثيرة في القرآن عن محاجة الأنبياء وجدالهم كما في سورة "هود"، ومحاجة "إبراهيم" لقومه ومحاجة "يوسف" لصاحبي السجن.

الوجه الثاني: أن الله - تعالى - أجمل كيفية الجدال بالتي هي أحسن في تلك الآيات وبينه في غيرها بتعليمه في القرآن العظيم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا


(١) ابن الوزير اليماني (الذب عن سنة أبي القاسم صلوات الله عليه) ج ٢ ص ١٣١ المكتبة السلفية بالقاهرة ١٣٨٥هـ.

<<  <   >  >>