للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن يفسّر بعضه بعضًا، وهذا التفسير هو أدق التفاسير الذي يلجأ إليه العلماء لأن القرآن ميسر لكل ذي بصر وبصيرة.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر، الآية: ١٧]

وبهذا الفهم يصبح تفسير الآية الأولى واضحًا لا لبس فيه، إذ معناه أن إضلال الله لشخص أنه آثر الغي على الرشاد فأقره الله على مراده وتم له ما يبغي لنفسه قال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف، الآية: ٥] .

إذن، فمعنى قوله تعالى (يُضِلُّ مَن يَشَاءُ) لا يتعارض وقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) [البقرة، الآيتان: ٢٦ و ٢٧] وكذلك الحال في قوله تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ) وللنظر إلى دور الإرادة الإنسانية في قول الله تعالى وهو يتكلم عن إرادته: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد، الآيتان: ٢٧، ٢٨] .

ثم يأتي دور مناقشة المحتجين بالأحاديث النبوية وربما يقع أكثرهم على الحديث الآتي - ويفسرونه خطأ بأنه يدل على الجبر ونفي حرية الإرادة الإنسانية.

والحديث: "ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة"، فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فيصير لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فيصير لعمل أهل الشقاوة" ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل، الآيتان: ٥ - ١٠] .

وروى أبو بكر الضحاك بن مخلد الشيباني في كتابه "السنة" بسنده عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال قلت: يا رسول الله، أرأيت عملنا هذا على أمر قد فرغ منه، أم على أمر نستقبله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل أمر قد فرغ منه"، فقال عمر: ففيم العمل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلا، لا ينال إلا بعمل" فقال عمر: إذا نجتهد (١) .

والحديث - للبصر النافذ - لا لبس فيه (٢) .


(١) ص ٧١ بتحقيق الألباني - المكتب الإسلامي (١٤١٣ هـ - ١٩٩٣ م) .
(٢) الشيخ محمد الغزالي: عقيدة المسلم ص ١٤٠ - والحديث رواه البخاري بألفاظ متقاربة.

<<  <   >  >>