للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما سبق علم الله تعالى فإنه ليس حجة أيضًا للمحتجين بالقدر على معاصيهم. قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) [البقرة، الآية: ١٤٣] .

وقال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران، الآية: ١٤٢] .

وقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد، الآية: ٣١] .

فروي عن ابن عباس في قوله: (إِلَّا لِنَعلَمَ) أي: (لنَرَى) وروي لنميز.

وكذلك قال عامة المفسرين: (إلا لنرى ونميز) وكذلك قال جماعة من أهل العلم، قالوا: لنعلمه موجوداً واقعًا بعد أن كان قد علم أنه سيكون. ولفظ بعضهم، قال: العلم على منزلتين - علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده. والحكم للعلم به بعد وجوده لأنه يوجب الثواب والعقاب.

قال: فمعنى قوله (لِنَعْلَمَ) أي: لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب ولا ريب أنه كان عالمًا سبحانه بأنه سيكون، لكن لم يكن المعلوم قد وجد (١) .

(٣) الوعد والوعيد:

ويتصل الأصل الثالث بالوعد والوعيد ومضمونه كما يعبر عنه الشهرستاني أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، ولكن عقابه يكون أخف من عقاب الكفار (٢) .

وانسياق المعتزلة في هذا الأصل يتصل بدفاعهم عن الحرية الإنسانية واحتكامهم إلى العقل إذ أصبح الثواب والعقاب عندهم ينصب على أفعال الإنسان نفسها والتي يقتضيها العقل ومعنى هذا اعتقادهم أن إثابة المطيع ومعاقبة العاصي إن لم يتب - أمر محتوم أي: يجب على الله تعالى أن يفعله، فخلطوا بين الوعد والوعيد،


(١) ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص ٤٤٦ ط لاهور ١٣٩٦ هـ ١٩٧٦ م.
(٢) الملل والنحل ج ١ ص ٥٩.

<<  <   >  >>