للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من قال: لا إله إلا اللَّه، مخلصًا دخل الجنة ".

ويجب أن لا يتعرى علمه عن مراعاة العمل فيه بنفع، ألا ترى أنه ما أخلي ذكر الإيمان في عامة القرآن من ذكر العمل الصالح، نحو قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)

وإلى ذلك أشار قوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)

وقيل: كثرة العلم من غير العمل مادة الذنوب،

وقيل: العلم أس والعمل بناء، والأس بلا بناء باطل، وقال حكيم لرجل يستكثر من العلما دون العمل: يا هذا إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح فمن تقاتل به، وقد قال الشاعر ما يصلح أن يكون إشارةُ إلى هذا المعنى:

فعلام إن لم أشف نفسًا حرة ... يا صاحبي أجيد حمل سلاحي.

[أحوال الناس في استفادة العلم وإفادته]

كما أن الإنسان في مقتنياته أربعة أحوال: حال استفادة: فيكون مكتسبًا، وحال ادخار لما اكتسبه: فيكون به غنيا عن المسألة، وحال إنفاق على نفسه: فيصير به منتفعًا، وحال إفادة لغيره: فيصير به سخيا، كذا أيضًا له في العلم أربعة أحوال:

حال استفادة، وحال تحصيل، وحال استبصار، وحال تبصير وتعليم.

ومن أصاب مالًا فانتفع به، ونفع مستحقيه كان كالشمس تضيء لغيرها وهي

مضيئة، وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب، وهذا أشرف المنازل. ثم بعده من استفاد علمًا فاستبصر به.

فأما من أفاد غيره علمه ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها، وكالمسن يشحذ ولا يقطع، وكالمغزل يكسو ولا يكتسي، وكذبالة المصباح تحرق نفسها وتضيء لغيرها، ومن استفاد علمًا ولم ينتفع به هو ولا غيره فإنه:

كالنخل يشرع شوكًا لا يذود به ... عن حمله كف جان وهو منتهب

<<  <   >  >>