للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأجر؛ فعل المستأجر بأجيره، فقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)

وأين الأجر وإن كثر حتى صار بغير حساب من الجزاء، ثم قال في الصبر:

(يُوَفَّى) ، فلم يسم فاعله، وقال في الشكر: ((وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) ،

(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)

فانظر إلى هذا اللطف في المقال قبل الانتهاء إلى الفعال ولم يذكر من أنبيائه بالشكر إلا اثنين كما تقدم ووصف جماعتهم

بالصبر فقال: (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥)

وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)

فجعل الصبر مبدأ والشكر منتهى؛ ولأن الصبر محمول عليه

قهرًا والشكر مؤدى تطوعًا.

[الغيبة والنميمة]

الغيبة: أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره،

وقد عظم اللَّه - عز وجل - أمرها فقال: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)

وقال تعالى: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)

وقال عليه الصلاة والسلام: " لا يدخل الجنة قتات "، وروي: " النميمة تفطر الصائم وتنقض الوضوء "، وقلَّ من وجد عائبًا إلا كان معيبًا، وقال قتيبة لرجل رآه يغتاب آخر: لقد تلمظت بما يعافه الكرام، وحق الإنسان أن لا يتعودها فإن لها ضراوة، ولذلك عير إنسان آخر بالغيبة فقال: لو تلمظت بها لما صبرت عنها، ثم إن من اغتاب اغتيب، ومن عاب عيب، فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه وكما يجب أن يتحراها بقوله يجب أن يتجنب من سماعها وسماع كل قبيح من الكذب، لئلا يعلق وضره ووسخه بفكرته فوضر كل كلمة عوراء لا يمكن

تطهير القلب عنه إلا بزمان مديد وعلاج شديد، وسماع القبيح قد يصير سببًا لفساد الكبير المجيد وغواية العالم المستبصر، فضلا عن فساد الحدث الغر والناشئ الغمر، ولذلك قال تعالى في مدح قوم: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (٧٢)

وقد أجاد من قال:

وسمعَك صُن عن سماع القبيح ... كصَوْن اللسان عن النطق به

وكقبح الغيبة والنميمة المسابة، قال أمير المؤمنين علي رضي اللَّه تعالى عنه: " ما تساب

.

<<  <   >  >>