للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكثرة مذام الإسراف ذم اللَّه تعالى أعظم مما ذم به البخل فقال: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)

وقال: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)

ملومًا من جهة من سألك فلم تجد ما تعطيه، وحسيرًا عن بلوغ مرادك وبهذا ألم المتنبي فقال:

فلا ينحلل في المجد مالك كله ... فينحل مجد كان بالمال عقده

فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ... ولا مال في الدنيا لمن قل مجده

وليس الإسراف متعلقًا بالمال فقط، بل بكل شيء وضع في غير موضعه اللائق به، ألا ترى أن الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث، فقال: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) .

ووصف فرعون بقوله: (إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١)

وقوله: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) .

[حقيقة السخاء والجود والشح والبخل]

السخاء: هيئة للإنسان داعية إلى بذل المقتنيات، حصل معه البذل أو لم يحصل، وذلك خلق، ويقابله الشح، والجود: بَذْلُك المقتنى ويقابله البخل.

هذا هو الأصل وإن كان قد يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر.

ويدل على صحة هذا الفرق أنهم جعلوا الفاعل من السخاء والشح على بناء الأفعال الغريزية فقالوا: شحيح وسخي، وقالوا: جواد، وباخل، وأما قولهم: بخيل فمصروف عن لفظ الفاعل للمبالغة، كقولهم: راحم ورحيم.

ولكون السخاء غريزة لم يوصف الباري - عز وجل - به.

وقد عظم اللَّه تعالى الشح وخوف منه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه "، فخص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به الذم، إذ ليس هو من فعله، وإنما يذم بالانقياد له.

وقال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)

وقال: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)

<<  <   >  >>