للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبلى بها الإنسان؟.

قيل: الشهوة إنما تكون مذمومة إذا كانت مفرطة، وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى، فأما إذا أُدِّبَت فهي المبلغة إلى السعادة، وجوار رب العزة، حتى لو تصورت مرتفعة لما أمكن الوصول إلى الآخرة، وذلك أن الوصول إلى الآخرة بالعبادة، ولا سبيل إلى العبادة إلا بالحياة الدنيوية، ولا سبيل إلى الحياة الدنيوية إلا بحفظ البدن، ولا سبيل

إلى حفظ البدن إلا بإعادة ما يتحلل منه، ولا يمكن إعادة ذلك إلا بتناول الأغذية، ولا يمكن تناول الأغذية إلا بالشهوة، فإذًا الشهوة محتاج إليها، ومرغوب فيها، وتقتضي الحكمة الإلهية إيجادها وتزيينها كما قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) .

لكن مثلها كمثل عدو تخشى مضرته من وجه، وترجى منفعته من وجه، ومع

عداوته لا يستغنى عن الاستعانة به، فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه، ولا يعتمد عليه إلا بقدر ما ينتفع به. وما أصدق في ذلك قول المتنبي إذا تصور في وصف الشهوة، وإن قصدها فما أجود ما أراد:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًّا له ما من صداقته بد

وأيضًا فهذه الشهوة هو المشوقة لعامة الناس إلى لذات الجنة من المأكل والمشرب والمنكح، إذ ليس كل الناس يعرف اللذات المعقولة.

ولو توهمناها مرتفعة لما تشوقوا إلى ما وعدوا به من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".

<<  <   >  >>