للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إثبات السمع والبصر لله]

٥ - وعن أبي هريرةَ - رضي اللَّه عنه- «أَنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} ويضع إبهامَيهِ على أذنيهِ والتي تلِيهَا على عينيه» .

رواه أبو داود وابن حبَّان وابن أبي حاتم.

ــ

٥ - رواه أبو داود كتاب السنَّة (٤ / ٢٣٣) (رقم: ٤٧٢٨) ، وابن خزيمة في " التوحيد " (١ / ٩٧) (رقم: ٤٦) وابن حبان (١ / ٤٩٨) (رقم: ٢٦٥) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص ١٧٩) والحاكم (١ / ٢٤) كلهم من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ حدثنا حرملة بن عمران عن أبي يونس مولى أبي هريرة - اسمه سليم بن جبير - عن أبي هريرة.

قال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي.

وَوَضْعِه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم أصبعه على أذنيهِ وعينيهِ عند قراءته سميعا بصيرا، معناه إثبات صفة السمع والبصر للَّه سبحانه وتعالى على ما يليق بجلال اللَّه وعظمته، فللَّه سمع وبصر ولكن ليس كسمعنا ولا بصرنا، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

قال ابن أبي العزّ في " شرح العقيدة الطحاوية " (١ / ٥٧) : اتفق أهل السنة على أَنَّ اللَّه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ولكن لفظ التشبيه قد صار في كلام الناس لفظا مجملا يراد به المعنى الصحيح وهو ما نفاه عنه القرآن ودل عليه العقل من أَنَّ خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات ولا يماثله شيء من المخلوفات في شيء من صفاته.

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على الممثلة المشبهة. . {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رد على النفاة المعطلة، فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق فهو نظير النصارى في كفرهم اهـ.

قال العلَّامة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه اللَّه:

" ومن الإيمان باللَّه أيضا الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف للَّه عزَّ وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

وهذه هي عقيدة أهل السنَّة والجماعة من أصحاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم وأَتباعهم بإحسان، وهي التي نقلها الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه اللَّه في كتابه " المقالات " عن أصحاب الحديث وأهل السنَّة ونقلها غيره من أهل العلم والإيمان.

قال الأوزاعي رحمه اللَّه: سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات فقالا: أَمرّوها كما جاءت.

وقال الوليد بن مسلم رحمه اللَّه: سئل مالك، والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم اللَّه عن الأخبار الواردة في الصفات فقالوا جميعا: أَمِروها كما جاءت بلا كيف.

وقال الأوزاعي رحمه اللَّه: كنا والتابعون متوافرون نقول: إِن اللَّه سبحانه على عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات.

ولما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمة اللَّه عليهما عن الاستواء قال: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن اللَّه الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق ".

ولما سئل الإمام مالك رحمه اللَّه عن ذلك قال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل: " ما أراك إلا رجل سوء! وأمر به فاخرج ".

وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي اللَّه عنها.

وقال الإمام أبو عبد الرحمن عبد اللَّه بن المبارك رحمة اللَّه عليه: " نعرف ربَّنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ".

وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جدا لا يمكن نقله في هذا المقام، ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل كتاب " السنَّة " لعبد اللَّه ابن الأمام أحمد، وكتاب " التوحيد " للإمام الجليل محمد بن خزيمة، وكتاب " السنة " لأبي قاسم اللالكائي الطبري، وكتاب " السنَّة " لأبي بكر بن أبي عاصم، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه اللَّه عقيدة أهل السنة ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة، وبطلان ما قاله خصومهم، وهكذا رسالته الموسومة بالتدمرية قد بسط فيها المقام وبين فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية والرد على المخالفين بما يظهر الحق ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق، وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات أنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.

أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا للَّه سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم أو أثبته له رسوله محمد صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم في سنته الصحيحة إثباتا بلا تمثيل ونزّهوه سبحانه عن مشابهته خلقه تنزيها بريئا من التعطيل ففازوا بالسلامة من التناقض وعملوا بالأدلة كلها.

وهذه سنة اللَّه سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه أَنَّ يوفقه للحق ويظهر حجته؛ كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} وقال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}

وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره المشهور عند كلامه على قول اللَّه عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} - الآية- كلاما حسنا في هذا الباب يحسن نقله هاهنا لعظم فائدته، قال رحمه اللَّه ما نصه: " للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإِنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن اللَّه فإن اللَّه لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبه اللَّه بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف اللَّه به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف اللَّه نفسه به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال اللَّه ونفى عن اللَّه تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى ".

<<  <   >  >>