للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي ما خير أحد (رسول الله بين أمرين) ديني أو دنيوي (قط إلا أخذ) أي تناول وفي بعض النسخ إلا اختار (أيسرهما) إرشاداً للأمة ولابتناء دينه على اليسر يريد الله بكم اليسر «إن هذا الدين يسر» وذلك كأن يخبره الله تعالى بين ما فيه عقوبتان على أمته فيختار أخفهما، أو في قتال الكفار وأخذ الجزية، أو في العبادة في المجاهدة في حق الأمة فيختار الأخف، وعلى كون المخير غير الله بأن يخيره الكفار أو المنافقون بين الحرب والموادعة فيختار الموادعة. وكقول جبريل وملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فاستعفى عنهم واختار الأخفّ وهو بقاؤهم رجاء أن يخرج منهم من يوحد الله سبحانه، وهذا التخيير في الحقيقة إنما هو من الله سبحانه والملك واسطة (ما لم يكن) أي الأيسر (إنما) أي معصية لأنها سببه، من إطلاق المسبب وإراده السبب مجازاً مرسلاً لعلاقة السببية: أي فإن كان الأيسر معصية فلا معصية فلا يخيره الله بينه وبين مقابله، وإن كان المخبر غيره فهو لا يختاره بل يبعد منه كما قال (فإن كان) أي الأيسر الذي خيره بعض الناس بينه وبين مقابله (إنما كان أبعد الناس منه) أما المكروه فقال المصنف: إنه كالمعصية لا يختاره، وإن كان يجب عليه فعل ذلك تشريعاً وبيان أن النهي ليس للتحريم بل للتنزيه (وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء) يتعلق بحقه من نفس أو مال أو عرض (قط) وذلك لأن من عرف الله حق معرفته سد عليه باب الانتصار لنفسه لاقتضاء معرفته ألا يشهد فعلاً لغير معروفه فكيف ينتصر من الخلق من يرى الله تعالى فعالاً فيهم، وكيف يترك تعالى الانتصار لهم وقد ألقوا نفوسهم بين يديه وسلموا واستسلموا لما يرد منه إليهم؟ فهم في معاقل عزّه وتحت سرادقات مجده، يصونهم من كل إلا من ذكره، ويقطعهم عن كل إلا عن حبه، فالأنبياء حمَّال أسراره ومعادن أنواره

فهو يتولى انتصارهم، قال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون} (الصافات: ١٧١) . وإنما لم ينتقم لنفسه مع كون منتهكها قد باء بإثم عظيم لأنه حق آدمي فيسقط بإسقاطه بخلاف حقه سبحانه، كما قالت (إلا أن تنتهك) بالبناء للمجهول (حرمة الله) وانتهاكها بارتكاب المحرمات وحينئذ فهو ليس مما قبله فيكون الاستثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>