للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحذف الفعل فانفصل الضمير، ويحتمل أن يكون ولا أنت ناج بعملك فيكون مبتدأ محذوف الخبر (قال: ولا أنا) أي: ولا أنجو، أو ولا أنا ناج بالعمل (إلا أن يتغمدني) أي: يغمرني (ابرحمة منه وفضل) ويلبسنيها ويغمرني بها ومنه غمدت السيف وأغمدته: أي: جعلته في غمدة وسترته به.

قال المصنف في «شرح مسلم» : مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا حكم شرعي، ولا يثبت ذلك كله إلا بالشرع. ومذهبهم أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل الدنيا والآخرة ملكه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو عذب المطيعين جميعهم وأدخلهم النار لكان عدلاً منه ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلاً منه. وفي هذا الحديث دليل ظاهر لما قلناه من أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل: ٣٢) ونحوها من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فهي لا تعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله وفضله، فصحّ أنه لم يدخل الجنة أحد بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث. ويصح أن يقال: إنه دخل بالأعمال المسببة عن الفضل: أي: بسببها وهي من الرحمة اهـ ملخصاً. وأشار العارف با تعالى ابن أبي جمرة إلى جواب آخر حاصله أن الأعمال أسباب عادية كسائر الأسباب التي هي من مقتضيات الحكمة ولا تأثير لها في دخول الجنة، فالنفي باعتبار التأثير بمعنى أن الذي يؤثر في دخول الجنة في الحقيقة إنما هو الله تعالى لا الأعمال، فإنما هي مجرد أسباب صورية اقتضتها الحكمة الإلهية والإسناد إليها تارة باعتبار أنها سبب صوري، وسيأتي في باب بيان طرق الخير أجوبة أخرى.

قال ابن أبي جمرة: وفي الحديث دلالة على أنه ليس أحد من الخلق يقدر على توفية حق الربوبية على ما يجب لها. يؤخذ ذلك من قوله: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» فإذا كان هو وهو خير البشر وصاحب المقامات العلا لا يقدر على ذلك فالغير أحرى وأولى. وإذا تأملت ذلك من جهة النظر تجده مدركاً حقيقة لأنه إذا طالبنا بشكر النعم التي أنعم علينا عجزنا عنه بالقطع ومنها ما لا نعرفه كما قال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (ابراهيم: ٣٤) فكيف غير ذلك من أنواع التكليفات فما بقي إلا ما أخبر به الصادق وهو التغمد بالفضل والرحمة (رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>